إلا أن فيها آياتٍ مدنيةً، منهن عندَ بعضِ العلماءِ هذه الآيةُ (?). قالوا: نَزَلَتْ في مالكِ بنِ الصيفِ اليهوديِّ، والتي بَعْدَهَا نَزَلَتْ في مُسَيْلِمَةَ والأسودِ العنسيِّ. أَعْنِي قولَه: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ قَالَ أُوْحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ} [الأنعام: آية 93] وَأَنَّ آخِرَهَا: {قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ} [الأنعام: آية 151] أنه مِمَّا نَزَلَ فِي المدينةِ، هكذا قالَ بعضُ العلماءِ.

والمعنَى كما ذَكَرَهُ المفسرونَ: أن هذا اليهوديَّ لَمَّا قال: ما أَنْزَلَ اللَّهُ على بَشَرٍ من شيءٍ.

وقال قومٌ: هذه المقالةُ لكفارِ مكةَ، والآيةُ مكيةٌ من سورةٍ مكيةٍ (?). وعلى كُلِّ حالٍ فالذين قالوا هذه المقالةَ سواءً قُلْنَا إنه مالكُ بنُ الصيفِ، أو غيرُه من اليهودِ، أو كفارِ مكةَ الذين قالوا: مَا أَنْزَلَ اللَّهُ على بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ، هؤلاءِ: {مَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ} يَعْنِي ما قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ: ما عَظَّمُوا اللَّهَ حَقَّ تعظيمِه، ولا عَرَفُوهُ حَقَّ مَعْرِفَتِهِ، حيث نَفَوْا إنزالَ اللَّهِ الكتبَ السماويةَ على الأنبياءِ.

ولطالبِ العلمِ أن يقولَ: إذا نَفَوْا عن الأنبياءِ إنزالَ شيءٍ، فَأَيُّ شيءٍ في هذا من عدمِ تعظيمِ اللَّهِ؟

الجوابُ: أن هذا نَزَّهَ اللَّهُ نفسَه عنه في سورةِ (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ) وَبَيَّنَ أنه لا يَلِيقُ به؛ لأَنَّ الحكيمَ الخبيرَ خَلَقَ هَذَا الْخَلْقَ، وَأَبْدَعَ هذا الكونَ، كيف يفعلُ هذا إِلاَّ لِحِكَمٍ بَالِغَةٍ؟ وهو أنه يَمْتَحِنُهُمْ وَيُجَازِيهِمْ، ويكلفُهم ويجازيهم. فهذا هو الذي نَزَّهَ اللَّهُ عنه نفسَه؛ إِذْ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015