ومثالُ عكسِ هذا: وهو ما إذا اتَّحَدَ السببُ واختلفَ الحكمُ، في مِثْلِ هذه يخالفُ الحنابلةَ ويقولونَ: لاَ حَمْلَ في هذه. وَيَبْقَى المالكيةُ والشافعيةُ يقولونَ: فيها الْحَمْلُ. وَمَثَّلَ الحنابلةُ لهذا قالوا: اللَّهُ (جَلَّ وَعَلاَ) في كفارةِ الظهارِ قَيَّدَ بِكَوْنِهَا قبلَ المسيسِ بالعتقِ والصومِ، قال: {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِّنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا} [المجادلة: آية 3] وقال في الصومِ: {فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا} [المجادلة: آية 4] وَأَطْلَقَ الإطعامَ عن كونِه قبلَ المسيسِ، معَ أن السببَ في الجميعِ واحدٌ، وهو الحنثُ في الظهارِ، والحكمُ مختلفٌ؛ لأن هذا عِتْقٌ، وهذا إطعامٌ، وهذا صومٌ، فَلاَ يُحْمَلُ المطلقُ على المقيدِ، فيجوزُ أن يُعْطِيَ الطعامَ بعدَ المسيسِ، ولا يشترطُ في الطعامِ أن يُقالَ فيه: مِنْ قَبْلِ أن يَتَمَاسَّا. وقال غيرُهم: إن هذا يُحْمَلُ فيه المطلقُ على المقيدِ. قالوا: ومثالُه قولُه في سورةِ المائدةِ قال اللَّهُ جل وعلا: {فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ} [المائدة: آية 89] فَقَيَّدَ الإطعامَ بكونِه مِنْ أَوْسَطِ ما تُطْعِمُونَ، ثم قال: {أَوْ كِسْوَتُهُمْ} وَلَمْ يُقَيِّدِ الكسوةَ بكونِها مِنْ أوسطِ ما تَكْسُونَ أهليكم. قالوا: فَنَحْمِلُ المطلقَ على المقيدِ ونقولُ: إِنَّ الكسوةَ مِنْ أوسطِ ما تَكْسُونَ أهليكم. كما قاله جماعةٌ من العلماءِ. والحكمُ هنا مختلفٌ؛ لأَنَّ الْمُطْلَقَ: كسوةٌ، والمقيدُ: إطعامٌ، إلا أن السببَ واحدٌ، وهو الحنثُ في كفارةِ اليمينِ.
وَمَحَلُّ هذه الأقوالِ ما إذا كان المُقَيَّدُ واحدًا، أما إذا كان هناكَ مطلقٌ وهناك مُقَيَّدَانِ بِقَيْدَيْنِ مختلفين، فَلَهُمَا حالتانِ (?): إن كان