والمستقيمُ: الذي لاَ اعوجاجَ فيه (?) وَمِنْهُ قولُ جريرٍ يمدحُ عمرَ بنَ عبدِ العزيزِ (?):
أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى صِرَاطٍ إِذَا اعْوَجَّ الْمَوَارِدُ مُسْتَقِيمُ
وهذا الصراطُ المستقيمُ، أي: الطريقُ الواضحُ الذي لا اعوجاجَ فيه: طريقُ دينِ الإسلامِ، دينِ الحنيفيةِ السمحةِ، التي بَعَثَ اللَّهُ بها إبراهيمَ، وَحَاصِلُهَا: اعتقادٌ نَافِعٌ، اعتقادٌ بجميعِه لِلَّهِ (جل وعلا) وَمَا يَجِبُ اعتقادُه، مع امتثالِ الأمرِ، واجتنابِ النهيِ بإخلاصٍ، مُطَابِقًا للوجهِ الذي شَرَعَهُ اللَّهُ (جل وعلا).
{ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُم مَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [الأنعام: آية 88] ذلك الْهُدَى الذي هَدَى اللَّهُ به هؤلاءِ الأنبياءَ الكرامَ المذكورين فِي سورةِ الأنعامِ هو هُدَى اللَّهِ، ولا هُدًى إلا هُدَى اللَّهِ، كما قال تعالى: {قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى} [البقرة: آية 120].
{يَهْدِي بِهِ} أي: بِهُدَاهُ مَنْ يَشَاءُ أن يَهْدِيَهُ من عبادِه. ومفهومُ مخالفةِ الآيةِ: أَنَّ مَنْ لَمْ يَشَأْ أَنْ يَهْدِيَهُ فلاَ هاديَ له؛ لأَنَّ مَنْ هَدَاهُ اللَّهُ فَلاَ مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هاديَ لَهُ. فالهدايةُ والإضلالُ كُلُّهَا بمشيئتِه وحدَه (جل وعلا). وهذا معنَى قولِه: {يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ} ومفعولُ {يَشَاءُ} محذوفٌ. أي: مَنْ يَشَاءُ هِدَايَتَهُ مِنْ عِبَادِهِ.