غزوةِ تبوك، الذي ثَبَّطَهُمْ عنه، وسبقَ في علمِه أنه لا يكونُ، صَرَّحَ بأنه عَالِمٌ أن لو كانَ كيف يكونُ، حيث قَالَ: {لَوْ خَرَجُوا فِيكُم مَّا زَادُوكُمْ إِلاَّ خَبَالاً ولأَوْضَعُوا خِلاَلَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ} الآيةَ [التوبة: الآيتان: 46، 47]. وأمثالُ هذا في القرآنِ كثيرةٌ. اللَّهُ (جل وعل) محيطٌ علمُه بِكُلِّ شيءٍ.
وفي اسْمَيْهِ: (الحكيمُ، العليمُ) أكبرُ مدعاةٍ للعبادِ أن يُطِيعُوهُ وَيَتَّبِعُوا تشريعَه؛ لأن بحكمتِه يعلمونَ أنه لاَ يأمرُهم إلاَّ بِمَا فيه الخيرُ، ولا ينهاهُم إلا عَمَّا فيه الشرُّ، فلاَ يُوقِعُ لهم أَمْرًا إلا في موقعِه، ولا يضعُه إلا في موضعِه، وبإحاطةِ علمِه: يعلمونَ أنه ليس هنالك غَلَطٌ في ذلك الفعلِ، ولا عاقبةٌ تنكشفُ عن غيرِ مَا أَرَادَ، بل هُوَ في غايةِ الإحاطةِ والإحكامِ. وإذا كان مَنْ يَأْمُرُكَ عليمٌ لا يَخْفَى عليه شيءٌ، حكيمٌ في غايةِ الإحكامِ، لاَ يأمرُك إلا بما فيه الخيرُ، ولا يَنْهَاكَ إلا عَمَّا فيه الشرُّ، فإنه يَحِقُّ لكَ أن تُطِيعَ وَتَمْتَثِلَ.
{وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ كُلاًّ هَدَيْنَا وَنُوحًا هَدَيْنَا مِنْ قَبْلُ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ دَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَى وَهَارُونَ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ} [الأنعام: آية 84]، صيغةُ الجمعِ في قولِه: {وَوَهَبْنَا} للتعظيمِ، ومعنَى {وَهَبْنَا لَهُ}: أَعْطَيْنَاهُ إِيَّاهُمَا. وَقَدْ بَيَّنَ اللَّهُ (جل وعلا) أن هبتَه إياه إسحاقَ كانت على كِبَرٍ عَظِيمٍ منه، وعلى كِبَرٍ من امرأتِه، بحيثُ لا يحملُ مِثْلُهَا عادةً، وأن الرسلَ الذين بُعِثُوا إلى قومِ لوطٍ لَمَّا نزلوا عندَه، وذبحَ لهم عِجْلَهُ وَأَنْضَجَهُ ونَكِرَهُم لَمَّا رَأَى أيديَهم لا تَصِلُ إليه وَخَافَ منهم، في ذلك الوقتِ بَشَّروهُ بإسحاقَ، وَمِنْ وراءِ إسحاقَ: يعقوبَ، بَشَّرُوهُ بأن امرأتَه تَلِدُ إسحاقَ، وأنه يُولَدُ له يعقوبُ، حتى تَقَرَّ به أعينُهما وَهُمَا حَيَّانِ، كما نَصَّ اللَّهُ عليه في سورةِ هودٍ:
{وَامْرَأَتُهُ قَائِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ}