وقد أَشَارَ له في هذه الآياتِ بقولِه: {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لأَبِيهِ آزَرَ أَتَتَّخِذُ أَصْنَامًا آلِهَةً إِنِّي أَرَاكَ وَقَوْمَكَ فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ} [الأنعام: آية 74] حيث تعبدونَ ما لاَ ينفعُ ولا يَضُرُّ، وتتركونَ عبادةَ الخالقِ الرازقِ النافعِ الضارِّ. ثم نَاظَرَهُمْ في عبادتِهم الأجرامَ السماويةَ، فَلَمَّا رأى كوكبًا: {قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لاَ أُحِبُّ الآفِلِينَ} [الأنعام: آية 76] فَكَأَنَّهُ يَتَنَزَّلُ لهم في المناظرةِ ويُسلِّمُ لهم مقدمةً باطلةً، هي مقدمة كفر، يُسلِّمُها لهم على زَعْمِهِمُ الفاسدِ الكافرِ (?)؛ لِيُمْكِنَهُ إفحامُهم، ويبين لَهُمْ أن الأُفولَ صفةُ نقصٍ محققةٌ، تُنَافِي صفاتِ الربوبيةِ، فاتصافُه بالأفولِ يُنَافِي كونَه رَبًّا، كما بَيَّنَهُ، وكأنها نتيجةٌ تَرَتَّبَتْ على مُقَدِّمَتَيْنِ:

إحداهُما: كونُ ذلك المزعومِ معبودًا، كونُه آفِلاً. وهذه في قولِه: {فَلَمَّا أَفَلَ} لأَنَّ أصلَ المعنَى: رَأَى كَوْكَبًا فَأَفَلَ {فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لاَ أُحِبُّ الآفِلِينَ} بحذفِ الفاءِ وَمَا عُطِفَتْ عليه. فقولُه {فَلَمَّا أَفَلَ} تَضَمَّنَتْ مقدمةً معناها: هذا الجرمُ آفِلٌ.

ثم رَتَّبَ المقدمةَ الأُخْرَى: {لاَ أُحِبُّ الآفِلِينَ} لاَ أُحِبُّ أَنْ أعبدَ مَنْ يَتَّصِفُ بصفةِ الأُفولِ والغيبوبةِ؛ لأنها صفةُ نقصٍ، تَدُلُّ على النقصِ والتسخيرِ، فَمَنْ كَانَ كذلك لاَ يستحقُّ أن يكونَ رَبًّا. فهذا نَظَرٌ عَقْلِيٌّ صحيحٌ، واستنتاجٌ صحيحٌ، وقد تقررَ عند عامةِ النظارِ أن الاستنتاجَ العقليَّ إذا كان على طَرِيقِهِ الصحيحةِ أنه أَمْرٌ صحيحٌ. وقالوا: نَوَّهَ اللَّهُ بشأنِه حيثُ جَعَلَهُ حجةً أَضَافَهَا لنفسِه، وَآتَاهَا إبراهيمَ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015