الْمَوْضِعُ الخامسُ: هو أَنْ تُحْذَفَ نونُ الرفعِ لغيرِ واحدٍ من الأسبابِ الأربعةِ - لأَنْ لاَ يدخلَ عليها نَاصِبٌ وَلاَ جَازِمٌ، ولاَ تكونُ مع نونِ التوكيدِ الثقيلةِ، وَلاَ مَعَ نونِ الوقايةِ - فَحَذْفُهَا في مثلِ هذا شَاذٌّ يُحْفَظُ وَلاَ يُقَاسُ عليه، كقولِ الراجزِ (?):

أَبِيتُ أَسْرِي وَتَبِيتِي تَدْلُكِي وَجْهَكِ بِالْعَنْبَرِ وَالْمِسْكِ الذَّكِي

فالتحقيقُ أن قراءةَ نافعٍ في هذا الحرفِ وفي غيرِه أنها على لغةٍ عربيةٍ فُصْحَى.

ومعنى الآيةِ الكريمةِ: أَتُحَاجُّونَنِي، أَتُجَادِلُونَنِي في اللَّهِ، وأني لا أعبدُه وحدَه، والحالُ قد هَدَانِي رَبِّي، وَشَرَحَ صَدْرِي بما أَوْحَى إِلَيَّ، وبما أَرَانِي من ملكوتِ السمواتِ والأرضِ حتى صرتُ من الْمُوقِنِينَ، أَبَعْدَ هذا من العلمِ واليقينِ الذي أَعْطَانِي اللَّهُ تُحَاجُّونَنِي وَتُجَادِلُونَنِي في اللَّهِ، في أنه المعبودُ وحدَه؟ هذا مما لا يكونُ ولا يصحُّ. ثم إنهم قالوا له على عادةِ الكفارِ: تَرَى أَنَّكَ عِبْتَ آلِهَتَنَا وأصنامَنا، وَعِبْتَهَا وكسرتَها، وقلتَ: إنها لا تنفعُ ولا تَضُرُّ. ترى أنها ستصيبُك ببرصٍ أو جُذَامٍ أو تُخَبِّلُكَ فَتُجَنّنكَ (?)!! وهذه عادةُ الكفارِ، يخوفونَ أنبياءَ اللَّهِ من أصنامِهم. فأجابَهم إبراهيمُ قال لهم: {وَلاَ أَخَافُ مَا تُشْرِكُونَ بِهِ} قال لهم: لا أخافُ ما تشركونَ به؛ لأنه لا ينفعُ ولا يَضُرُّ، ولا يُتَرَقَّبُ منه خوفٌ ولا نفعٌ، فلا أخافُه أَبَدًا.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015