هذه الثلاثُ محلُّ الشاهدِ من هذا الحديثِ الصحيحِ: [ولو كان المعنى: أن إبراهيم كان يعتقد] (?) أن الكوكبَ رَبٌّ، وأن القمرَ رَبٌّ، وأن الشمسَ رَبٌّ لكان هذا أعظمَ فِرْيَةٍ، وأعظمَ كَذِبٍ. فلم يَقُلِ النبيُّ: إنه لم يَكْذِبْ إلا هذه الكذباتِ، وإن كانت في نفسِ الأمرِ ليست بكذباتٍ، إلا أن صورتَها كأنها صورةُ الكذبِ، وهي في الحقيقةِ بعيدةٌ من الكذبِ، لطالبِ العلمِ أن يقولَ: قد قَرَّرْتُمْ لنا أن قولَ إبراهيمَ: {هَذَا رَبِّي} في الكوكبِ وفي القمرِ وفي الشمسِ ليس يُظَنُّ أن الكوكبَ رَبٌّ، ولا يَشُكُّ في ذلك، ولكن إذًا فَمَا معنَى قولِه: {هَذَا رَبِّي}؟ وأينَ نَصْرِفُ هذا اللفظَ عن الاعترافِ بربوبيةِ الكوكبِ، والقمرِ والشمسِ؟

الجوابُ: أن العلماءَ خَرَّجُوا هذا على وَجْهَيْنِ (?)، كِلاَهُمَا قد يُغْنِي عن الآخَرِ:

الأولُ: الذي عليه الجمهورُ: أن الْمُنَاظِرَ إذا أرادَ أن يُفْحِمَ خَصْمَهُ سلَّم له مقدمةً تسليمًا جَدَلِيًّا لِيُمْكِنَهُ أن يَفْحَمَهُ؛ لأنه إذا نَفَى المقدمةَ لا يُمْكِنُ أن يفحمَه. فالمعروفُ في فنونِ الجدلِ: أنه لا بُدَّ للخصمين من أن يَتَّفِقَا على قاعدةٍ، وإن اختلفا مِنَ الأول لا يمكن أن يفحمه. وعليه فالمعنَى: {هَذَا رَبِّي} على التسليمِ الْجَدَلِيِّ، وفي زَعْمِكُمُ الكافرِ الفاسدِ كما قال اللَّهُ جل وعلا: {أَيْنَ شُرَكَائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تُشَاقُّونَ فِيهِمْ} [النحل: آية 27] فَنَسَبَ إلى نفسِه الشركاءَ {أَيْنَ شُرَكَائِيَ} وليس له شريكٌ (جل وعلا) لِيُقَرِّعَهُمْ،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015