القرآنُ: فقد دَلَّ على هذا في مواضعَ كثيرةٍ:

منها: أنه أَوَّلاً قال رافعًا لهذا الاحتمالِ: {وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ} [الأنعام: آية 75] فلما أَثْبَتَ له اليقينَ قال بَعْدَ ذلك مرتِّبًا عليه بالفاءِ: {فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَبًا قَالَ هَذَا رَبِّي} [الأنعام: آية 76].

والثانيةُ: أن اللَّهَ ذَكَرَ أنه قال هذا في سبيلِ المناظرةِ وَالْمُحَاجَّةِ، لا في سبيلِ النظرِ بنفسِه، حيثُ قال: {وَحَآجَّهُ قَوْمُهُ} [الأنعام: آية 80]، وقال: {وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ} [الأنعام: آية 83] وَمِنْ أَصْرَحِ الأدلةِ في هذا: أن اللَّهَ نَفَى عن إبراهيمَ كونَ الشركِ في مَاضِي الزمنِ مُطْلَقًا، حيث قال في آياتٍ كثيرةٍ من كتابِه: {ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} [النحل: آية 123] ونَفْيُ الكونِ الماضِي يستغرقُ الكونَ في جميعِ الزمنِ كائنًا مَا كَانَ، وكذلك قولُه: {مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلاَ نَصْرَانِيًّا وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفاً مُّسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} [آل عمران: آية 67] هذا جاءَ في آياتٍ كثيرةٍ، ونفيُ الإشراكِ عنه في الكونِ الماضِي يَدُلُّ بدلالةِ القرآنِ - دلالةِ المطابقةِ - على أَنَّهُ لم يَتَقَدَّمْ له كونُ إشراكٍ أَلْبَتَّةَ. واللَّهُ يقولُ: {وَلَقَدْ آتَيْنَا إِبْرَاهِيمَ رُشْدَهُ مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا بِه عَالِمِينَ} [الأنبياء: آية 51] فَعِلْمُ اللَّهِ به وبصلاحِه يدلُّ على ذلك، هذا هو الحقُّ الذي لا شَكَّ فيه.

ولطالبِ العلمِ أن يقولَ: قَرَّرْتُمْ لنا أن إبراهيمَ لا يعتقدُ ربوبيةَ الكوكبِ، وأن القرآنَ دَلَّ على ذلك، ومن السنةِ الصحيحةِ الدالةِ عليه: ما ثَبَتَ في الصحيحين من حديثِ أَبِي هريرةَ (رضي الله عنه) عن النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -: «لَمْ يَكْذِبْ إِبْرَاهِيمُ إِلاَّ ثَلاَثَ كَذِبَاتٍ، اثْنَتَيْنِ مِنْهَا فِي

طور بواسطة نورين ميديا © 2015