وقولُه: {وَكَذَّبْتُم بِهِ} ذَكَّرَ الضميرَ مع أن (البينةَ) مؤنثةٌ لفظًا نظرًا إلى المعنى؛ لأن (البينةَ) معناها البيانُ والبرهانُ واليقينُ {وَكَذَّبْتُم بِهِ} أي: ذلك البرهانُ واليقينُ الذي أنا عليه، الْمُعَبَّرُ عنه بالبينةِ، وهذا هو الظاهرُ، خلافًا لمن قال: إن الضميرَ عائدٌ إلى الله، أي: كَذَّبْتُمْ بِاللَّهِ (جل وعلا) أنه المعبودُ وحدَه جل وعلا (?).
{مَا عِنْدِي مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ} كان الكفارُ يقولون للنبيِّ - صلى الله عليه وسلم -: هذا الذي تُهَدِّدُنَا به من عذابِ اللَّهِ، إن كنتَ صادقًا، إن كنتَ نَبِيًّا فَعَجِّلْهُ علينا الآنَ (?). كما بَيَّنَ اللَّهُ ذلك عنهم في آياتٍ من كتابِه، كقولِه: {وَقَالُوا رَبَّنَا عَجِّل لَّنَا قِطَّنَا قَبْلَ يَوْمِ الْحِسَابِ} [ص: آية 16] والقِطُّ في لغةِ العربِ: أصلُه كتابُ الجائزةِ الذي يكتبُه الْمَلِكُ (?). فالملكُ إذا أرادَ أن يُجِيزَ الوفودَ كَتَبَ لِكُلِّ رئيسٍ جائزةً معينةً في صَكٍّ، وذلك الصكُّ يُسَمَّى: (القِط). وعليه فقولُهم: {عَجِّل لَّنَا قِطَّنَا} معناه: عَجِّلْ لنا نصيبَنا من مَلِكِ السماواتِ والأرضِ الذي تقولُ إنه نصيبُنا منه، وهو العذابُ في الدنيا والآخرةِ، كما قال الشاعرُ، وهو نابغةُ ذبيانَ (?):