والخوضُ لا تكادُ العربُ تُطْلِقُهُ إلاَّ على الخوضِ في الباطلِ (?). وأصلُه الخوضُ في الماءِ؛ لأن الخائضَ في الماءِ يتخبطُ فيه بغيرِ انتظامٍ، ليس كالماشِي على الأرضِ.

ثم قال: {أُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ} أَيْ: بَطَلَتْ وَاضْمَحَلَّتْ في الدنيا حيثُ لم يكن مُعْتَدًّا بها عند الله، وكذلك هي باطلةٌ في الآخرةِ، وعكسُ هذا قولُه في إبراهيمَ: {وَآتَيْنَاهُ أَجْرَهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ (27)} [العنكبوت: الآية 27].

وقد قَدَّمْنَا انتفاعَ الكفارِ بأعمالِهم فِي الدنيا خاصةً (?)، وأن ذلك مُقَيَّدٌ بمشيئةِ اللَّهِ كما دَلَّ عليه قولُه: {مَّنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَن نُّرِيدُ} [الإسراء: الآية 18].

وقولُه: {حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ} أي: بَطَلَتْ وَاضْمَحَلَّتْ حتى لاَ يظهرَ لها أثرٌ ينتفعون به يومَ القيامةِ. قال بعضُ العلماءِ: أصلُ اشتقاقِ {حَبِطَتْ} من الْحَبَطِ بفتحتينِ، وهو نَبْتٌ في الباديةِ إذا أَكَلَتْهُ الدوابُّ انتفخت بطونُها فماتت (?)، كانوا يقولون: «حبطت الماشيةُ» إذا أَكَلَتِ الحَبَطَ فَهَلَكَتْ، وصارت العربُ تستعملُه في الهلاكِ حتى كان أغلبُ استعمالِه في هلاكِ الأعمالِ واضمحلالِها وعدمِ الاعتدادِ بها.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015