في الدنيا والآخرةِ، لا تَسْتَحْسِنْ ذلك ولا تُعْجَبْ به؛ ولا تَمُدَّنْ إليه عَيْنَيْكَ كما قال: {وَلاَ تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِّنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى (131)} [طه: آية 131] وقال: {أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُم بِهِ مِن مَّالٍ وَبَنِينَ (55) نُسَارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْرَاتِ بَل لاَّ يَشْعُرُونَ (56)} [المؤمنون: الآيتان 55، 56] {وَمَا أَمْوَالُكُمْ وَلاَ أَوْلَادُكُمْ بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِنْدَنَا زُلْفَى} [سبأ: آية 37] {مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ (2)} [المسد: آية 2] إلى غيرِ ذلك من الآياتِ، لَمَّا بَيَّنَ اللَّهُ في هذه الآياتِ من سورةِ براءةٍ أن المنافقينَ لاَ حَظَّ لهم من اللَّهِ في الآخرةِ بَيَّنَ أن ما أعطاهم من زينةِ الحياةِ الدنيا من متاعِها من الأموالِ والأولادِ أيضًا لا يَنْبَغِي أن يستحسنَ، ولا أن يعجبَ به؛ لأنه تَافِهٌ أُعْطُوهُ استدراجًا وعاقبتُه سيئةٌ عليهم {إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْمًا وَلَهْمُ عَذَابٌ مُّهِينٌ} [آل عمران: آية 178] هذا معنَى قولِه: {فَلاَ تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ} العربُ تقولُ: أَعْجَبَهُ الشيءُ يُعْجِبُهُ إذا اسْتَحْسَنَهُ استحسانًا يَسُرُّهُ، فكلُّ مَنِ اسْتَحْسَنَ الشيءَ استحسانًا يُسرُّ به تقولُ العربُ: أَعْجَبَهُ، أي: لا تَسْتَحْسِنْ ما أعطيناهم من متاعِ الدنيا استحسانَ سرورٍ {فَلاَ تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَلاَ أَوْلادُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ} بإعطائِه إياهم ليعذبَهم، هذه اللامُ التي تأتِي في القرآنِ بكثرةٍ وفي كلامِ العربِ بعدَ فِعْلِ الإرادةِ فيها خلافٌ للعلماءِ؛ لأنه يكثرُ في القرآنِ وفي كلامِ العربِ إتيانُ هذه اللامِ بَعْدَ فِعْلِ الإرادةِ
كقولِه: {يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ} [النساء: آية 26] {يُرِيدُونَ لِيُطْفِؤُوا نُورَ اللَّهِ} [الصف: آية 8] ونحو ذلك من الآياتِ، وقولُه هنا: {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} [التوبة: آية 55] تَكْثُرُ هذه اللامُ بعدَ فعلِ الإرادةِ {يُرِيدُونَ لِيُطْفِؤُوا نُورَ اللَّهِ} [الصف: آية 8] {يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ} [النساء: