ثُمَّ إِنَّ اللَّهَ عجَّب نَبِيَّهُ من جراءةِ الإنسانِ وجهلِه وإعراضِه عن الحقِّ مع فقرِه وحاجتِه وفاقتِه إلى رَبِّهِ (جل وعلا)، فقال له: {انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الآيَاتِ} معنى تصريفِ الآياتِ: هو نقلُها من حالٍ إلى حالٍ بأساليبَ واضحةٍ بينةٍ، تارةً - يعني - بالوعيدِ وتارةً بالوعدِ وتارةً بالابتلاءِ بالسراءِ، وتارةً بالضراءِ بأنواعٍ مختلفةٍ من جهاتٍ مختلفةٍ، ومع هذا {ثُمَّ هُمْ يَصْدِفُونَ} بعضُ الْمُحَقِّقِينَ من العلماءِ يقولُ: إن (ثم) في هذا المكانِ (?) للاستبعادِ (?)، وأن التراخيَ المفهومَ بـ (ثم) أنها للاستبعادِ؛ لأنه يُسْتَبْعَدُ عندَ العقولِ السليمةِ أن يكونَ اللَّهُ مع عظمتِه وجلالِه، ومع ما يُحْسِنُ به إلى الإنسانِ يُصرِّفُ له الآياتِ، ومع هذا هو يصدفُ، أي: يُعْرِضُ. فمعنى قولِه: {يَصْدِفُونَ} أي: يُعْرِضُونَ ويصدون، والعربُ تقولُ: «صَدَفَ عنه، يَصْدِفُ، صَدْفًا وصُدُوفًا»، إذا أَعْرَضَ عنه وَمَالَ (?).
و (صَدَفَ) تُسْتَعْمَلُ استعمالين (?): تستعملُ مُتعديةً للمفعولِ، تقولُ: «صَدَفْتُهُ عن قولِه». أي: صَدَدْتُهُ عنه حتى أعرضَ عنه. وَتُسْتَعْمَلُ لازمةً، صدفَ فلانٌ عن كذا: إذا أَعْرَضَ عنه، وهو معنًى معروفٌ في كلامِ العربِ، ومنه قولُ ابنِ رواحةَ (?):