رئيسُ الجميعِ مالكُ بنُ عوفٍ النصريُّ، وكان في ثقيف أهلِ الطائفِ رئيسانِ، رئيسُ الأحلافِ، ورئيسُ بَنِي مالكٍ؛ أما رئيسُ الأحلافِ ذلك اليومَ فهو قاربُ بنُ الأسودِ بنِ مسعودِ بنِ الْمُعَتِّبِ، ورئيسُ بَنِي مالكٍ هو ذُو الخمارِ، وهو سبيعُ بنُ الحارثِ، وأخوه أحمرُ بنُ الحارثِ. وجاء دريدُ بنُ الصمةِ من بَنِي جشمَ بنِ بكرٍ، وكان سَيِّدًا عظيمًا من ساداتِ هوازنَ، مُجَرِّبًا في الحروبِ، وكان في ذلك الوقتِ شَيْخًا فَانِيًا يرتعشُ، لا فائدةَ فيه إلا التيمنُ برأيه، جاء راكبًا في شِجَارٍ (?) له، وكان جماعُ الناسِ إلى مالكِ بنِ عوفٍ النصريِّ، فقال دريدٌ: هذا المحلُّ الذي أنتم فيه أَيُّ وادٍ أنتم فيه؟ قالوا: نحنُ الآنَ بوادِي أَوْطَاسٍ. قال: نِعْمَ مَجَالُ الخيلِ، لا حَزْنٌ ضَرْسٌ ولا سَهْلٌ دَهْسٌ.
ثم إنه قال: ما لي أَسْمَعُ بكاءَ الصغيرِ، ونهاقَ الحميرِ، ورغاءَ البعيرِ، ويعارَ الشاءِ؟ قالوا له: جَمَعَ مالكُ بنُ عوفٍ مع هوازنَ مواشيَهم وأموالَهم ونساءَهم وذراريَهم!! فقال: أين مالكٌ؟ فَدُعِيَ له مالكُ بنُ عوفٍ، فقال: يا مَالِكُ!! لقد أصبحتَ رئيسَ قومِك، وإن هذا يومٌ له ما بعدَه، فَمَا لِي أسمعُ رغاءَ البعيرِ، وبكاءَ الصغيرِ، ونهاقَ الحميرِ، ويعارَ الشاءِ؟ قال: سُقْتُ مع الناسِ أموالَهم ونساءَهم وأولادَهم. قال: وَلِمَ؟ قال: أريدُ أن يكونَ عند ظهرِ كُلِّ رجلٍ أهلُه ومالُه ليقاتلَ عنهم ولا يَفِرَّ. فقال دريدٌ يهزأُ بِمَالِكٍ (أَنْقَضَ به) - أي أَخْرَجَ من فمه صوتًا استهزاءً به - وقال: رَاعِي ضَأْنٍ وَاللَّهِ، هل يَرُدُّ المنهزمَ شيءٌ؟! هذا ليس برأيٍ؛ لأنها إن كانت عليكَ فُضِحْتَ في أَهْلِكَ وَمَالِكَ، فكانَ الأَوْلَى أن تردَّهم إلى متمنِّع بلادِهم وَعُلْيَا قومِهم، فإن كانت لكَ فإنه لا ينفعُك إلا رجلٌ بسيفِه وَرُمْحِهِ، وإن