وَأَظْلَمَتِ الدنيا في عَيْنَيْهِ، ولم يَتَلَذَّذْ بما هو فيه، وقد صَدَقَ أبو الطيبِ حيث يقول (?):
أَشَدُّ الْغَمِّ عِنْدِي فِي شُرُورٍ ... تَيقَّنَ عَنْهُ صَاحِبُهُ انْتِقَالاَ
وهذا معروفٌ عندهم، فكمالُ اللذةِ والنعمةِ إنما هو بالإقامةِ أبدًا، وَاللَّهُ (جلَّ وعلا) نَصَّ في آياتٍ من كتابِه على أن نعيمَ الجنةِ لاَ ينقطعُ ولا يزولُ، كما قال تعالى في سورةِ هودٍ: {وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ إِلاَّ مَا شَاءَ رَبُّكَ عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ (108)} [هود: آية 108] فقولُه: {غَيْرَ مَجْذُوذٍ} أي: غيرُ مقطوعٍ أبدًا، وكذلك قولُه: {مَا عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ بَاقٍ} [النحل: آية 96] أي: باقٍ لا نفادَ له أبدًا، والآياتُ الدالةُ على هذا متعددةٌ في كتابِ اللَّهِ، وهذا معنَى قولِه: {وَجَنَّاتٍ لَّهُمْ فِيهَا نَعِيمٌ مُّقِيمٌ}.
{خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا} [التوبة: الآية 22] على الدوامِ لا يَزُولُونَ، كما قال جلَّ وعلا: {لاَ يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلاً} [الكهف: آية 108] لا يتحولونَ عنها إلى غيرِها.
{إِنَّ اللَّهَ} (جل وعلا) {عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ} الأجرُ في لغةِ العربِ: جزاءُ العملِ. ومعنَى {أَجْرٌ عَظِيمٌ} أي: جزاء عملهم وهو الجنة، وَوَصَفَهُ باِلْعِظَمِ لِمَا في الجنةِ من عظيمِ الشأنِ؛ لأَنَّ اللَّهَ يقولُ فيها: {فَلاَ تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفِيَ لَهُم مِّنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (17)} [السجدة: آية 17] ولأَجْلِ هذا وَصَفَ هذا الجزاءَ بالعِظَمِ. وقد جاء مُفَصَّلاً في القرآنِ جميعُ مَلاَذِّهِ، كالمناكحِ في النساءِ التي هُنَّ في غايةِ الجمالِ، والملابسِ التي هي في غايةِ الجمالِ،