وقولُه: {وَلَمْ يَخْشَ إِلاَّ اللَّهَ} لم يَخَفْ أحدًا إلا اللَّهَ. وفي هذه الآيةِ الكريمةِ وأمثالِها في القرآنِ سؤالٌ معروفٌ، وهو أن يقالَ: لاَ يوجدُ أحدٌ إلا هو يَخْشَى من غيرِ اللَّهِ، ويخافُ من غيرِ اللَّهِ؛ لأن كل المخاوف والمحاذير جُبلت طبائعُ البشرِ على الخوفِ والخشيةِ منها، والذي لم يَخْشَ شيئًا من المخاوفِ والمحاذرِ هذا أمرٌ صَعْبٌ.
والعلماءُ يُجِيبُونَ عن هذا بِجَوَابَيْنِ (?):
بعضُهم يقولُ: الخشيةُ التي هي شِرْكٌ بالله التي يحذِّر اللَّهُ منها هي خشيةُ الأصنامِ، والخوفُ من المعبوداتِ من دونِ اللَّهِ، وهذا النوعُ دَلَّتْ عليه آياتٌ كثيرةٌ؛ لأن عَبَدَةَ الأصنامِ يُخَوِّفُونَ مَنْ يَسُبُّ الأصنامَ بأن الأصنامَ ستفعلُ له وتفعلُ، كما قالوا لِنَبِيِّ اللَّهِ هودٍ: {إِن نَّقُولُ إِلاَّ اعْتَرَاكَ بَعْضُ آلِهَتِنَا بِسُوَءٍ قَالَ إِنِّي أُشْهِدُ اللَّهَ وَاشْهَدُوا أَنِّي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ (54) مِنْ دُونِهِ فَكِيدُونِي جَمِيعًا ثُمَّ لاَ تُنْظِرُونِ (55) إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ} الآية [هود: الآيات 54 - 56] وكذلك لما خوَّفوا منها نبيَّ اللَّهِ إبراهيمَ (عليه وعلى نبينا الصلاةُ والسلامُ) وقالوا له: سوف تفعلُ بكَ أصنامُنا وتفعلُ، قال لهم: {وَكَيْفَ أَخَافُ مَا أَشْرَكْتُمْ وَلاَ تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُمْ بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالأَمْنِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (81)} [الأنعام: آية 81] وخوَّفوا بها نَبِيَّ اللَّهِ (صلواتُ اللَّهِ وسلامُه عليه)، كما نَصَّ اللَّهُ عليه في سورةِ الزمرِ في قولِه {وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ} ثم قال ردًّا عليهم: {أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ} [الزمر: آية 36] وفي القراءةِ الأخرى (?): {بكاف عباده} وهذا كثيرٌ في