فيكم {إِلاًّ} أي: قرابة {وَلاَ ذِمَّةً} أي: لا قرابة ولا عهداً، وقال بعض العلماء: الإلّ هو الحِلْفُ، فالعَرَبُ تقول: بَيْنِي وبين فلانٌ إِلٌّ: إذا كان بَيْنَكُمَا حِلْفٌ. قالوا: واشتقاق (الإِلُّ) أنهم كانوا إذا تَحَالَفُوا وتَمَاسَحُوا بالأَيْدِي عند الحلف رفعوا أصواتهم، والعرب تقول: «ألَّ، يَؤُلُّ» إِذَا صَرَخَ ورَفَعَ صوته، ومنه: أَلِيلُ المَرِيضِ؛ أي: أَنِينُ المَرِيضِ المُرْتَفِع، والعرب تقول: «دعت الجارية أَلَلَيْهَا» إذا وَلْوَلَتْ؛ لأن الأليل صراخٌ وصوت. ومنه قولهم: دَعَتِ الجارية ألليها: إذا وَلْوَلَتْ قَول الكميت (?):

وأنتَ ما أنت في غَبْراءَ مُظْلمةٍ ... إذا دَعَتْ أَلَلَيْها الكَاعِبُ الفُضُلُ

وقال قومٌ آخرون: إن (الإلّ) معناه العهد. وعلى هذا القول فهو شيءٌ معطوف على نفسه باختلاف اللفظين، وقد قدّمنا في هذه الدروس مراراً (?) أن عطف الشيء على نفسه بلفظين مختلفين أنه أسلوبٌ عربي معروف؛ لأن المغايرة في اللفظ ربما نزلتها العرب كمغايرة المعنى. وهذا الأسلوب في اللغة العربية وفي القرآن، فمن أشهر أمثلته في القرآن قوله تعالى: {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى (1) الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى (2) وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى (3) وَالَّذِي أَخْرَجَ الْمَرْعَى (4)} [الأعلى: الآيات 1 - 4] لأن (الذي) و (الذي) كلها واقعة على شيء واحد هو الله (جلّ وعلا)، إلا أنه لما اختلفت الألفاظ صار العطف بسبب اختلافها، وهو أسلوب معروف في العربية، ومن شواهده المشهورة قول الشاعر (?):

طور بواسطة نورين ميديا © 2015