مثلاً، ثمّ لما فرِض رمضان فُرِض أولاً على سبيل الخيار بين الصوم وبين الإطعام كما تقدّم في قوله: {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ} [البقرة: آية 184] فلما أَنِسَتْ النفوس بالصوم في الجملة وتمرنتْ عليه أوجب الصوم إيجاباً تامّاً بقوله: {فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} [البقرة: آية 185].
وكذلك القتال -وهو محل الشاهد- لمّا كان عظيماً شاقّاً على النفوس؛ لما فيه من تعريض المُهَج والأموال للتلف أذِن فيه أولاً من غير أمْر به في قوله: {أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ (39)} [الحج: آية 39] أَذِنَ فيه أولاً ثم بعد ذلك أوجبهُ في حال دون حال، فأوجب عليهم قتال من قاتلهم دون من لم يقاتلهم -وهو محل المشاهد- في قوله: {وَلاَ تُقَاتِلُوهُمْ عِندَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ} [البقرة: آية 191] ثم لمّا استأنست النفوس بالقتال وتمرنت عليه أوجبه إيجاباً باتّاً عامّاً بقوله هنا: {فَاقْتُلُواْ الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ} [التوبة: آية 5].
فهذه الآية الكريمة قوله: {الْمُشْرِكِينَ} هو صيغة عموم، فالألف واللام فيه تدل على العموم؛ لأن (المشركين): جمع (المشرك)، وهو اسم فاعل، والألف واللام الداخلتان على اسم الفاعل، واسم المفعول، والصفة المشبهة -على أحد القولين- يقول علماء العربية: إنها موصولة، والموصولات من صيغ العموم كما تَقَرَّرَ في الأصول (?). وعلى القول بأن هذا اللفظ قد تُتناسى وصفيته فتكون الصفة غير صريحة فيؤول إلى الأسماء -أسماء الأجناس الجامدة-