منهم، وليسوا موجودين حتى يسمعوا التوبيخَ. ولكن المقصودَ من توبيخِ هذا الذي غَابَ ومات ليعتبرَ به غيرُه، فيعلم بأن قصصَ القرآنِ إنما قُصَّتْ علينا لنعتبرَ بها {لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِّأُولِي الأَلْبَابِ} [يوسف: آية 111] ولذا كان من الحسنِ أن يُوَبَّخَ أولئك لنعتبرَ بتوبيخهم فنجتنبَ ذلك الأمرَ الذي استحقوا التوبيخَ مِنْ أَجْلِهِ، هذا معناه؛ ومن هذا المعنى {فَلَوْلاَ كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُوا بَقِيَّةٍ} [هود: آية 16] لأن القرونَ مَضَتْ، فهو توبيخٌ لِغَائِبِينَ، وتنديمٌ لهم؛ ليعتبرَ به الْمُخَاطَبُونَ؛ ولذا قال: {فَلَوْلاَ إِذْ جَاءهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا} [الأنعام: آية 43] كان المطلوبُ منهم وقتَ وجودِهم - بِحَثٍّ وَشِدَّةٍ - أن يتضرعوا، واختبرهم اللَّهُ بالبأسِ أن يتضرعوا.

ويُفهم من الآيةِ أن المسلمَ إذا ابْتَلاَهُ رَبُّهُ بمصائبِ الدنيا من أمراضٍ أو مصائبَ في الأموالِ أو جوعٍ أو نحو ذلك: أن عليه أن يتضرعَ إلى رَبِّهِ (جل وعلا) ليزيلَ عنه ذلك؛ لأنه وَبَّخَ هؤلاء وَذَمَّهُمْ على عدمِ التضرعِ إليه عندَ نزولِ الشدائدِ بهم، وهذا معنى قولِه: {فَلَوْلاَ إِذْ جَاءهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا} ثم قال: ولكنهم لَمْ يَتَضَرَّعُوا {وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ} لأن القلوبَ القاسيةَ تَشْتَدُّ

كما تشتدُّ الحجارةُ، فكما أن الحجرَ الصلبَ القويَّ إذا أَرَدْتَ أن تُدْخِلَ في جوفِه ماءً لا يدخلُ، فكذلك قلبُ الكافرِ لصلابتِه وقسوتِه إذا أَرَدْتَ أن تُدْخِلَ فيه الموعظةَ والفهمَ عن اللَّهِ لا يدخلُ؛ لشدةِ قسوةِ القلبِ والعياذُ بِاللَّهِ.

وقولُه: {وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} اعْلَمْ أن الشيطانَ في لغةِ العربِ (?) يُطْلَقُ على كُلِّ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015