أنزلها في مكة، وأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بجعلها في هذه السورة المدنيَّة أعْنِي سُورَةَ الأَنْفَالِ.

والتحقيق الذي دَلَّ عَلَيْهِ اسْتِقْراء القُرْآن العَظِيم، وَبِهِ قَال أكثر علماء التفسير المشهورين: أن قَوْلَهَا {وَمِنَ} عطف على الضمير في قوله: {حَسْبُكَ اللَّهُ} معناه: كافيك الله وكافي معك من اتَّبَعَكَ مِنَ المُؤْمِنِينَ، فالله يكفيك المُؤَنَ وشُرُورَ الأَعْدَاءِ وكُلَّ بَلِيّة، كما أنه يكفي أتباعك من الصحابة فَمَنْ بَعْدَهُمْ (رضي الله عنهم). وهذا القول هو التحقيق، وقد دل استقراء القرآن عليه؛ لأن الحسْب -الذي هو الكفاية- من خصائص رَبِّ العَالمين، ولم يسنده لأحد مِنْ خَلْقِهِ حَيْثُ قال: {وَلَوْ أَنَّهُمْ رَضُوْاْ مَا آتَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَقَالُواْ حَسْبُنَا اللَّهُ سَيُؤْتِينَا اللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَرَسُولُهُ} [التوبة: الآية 59] فجعل الإيتاء لله والرسول، والحسب لله وحده. وقال تعالى: {يَأَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} [الأنفال: الآية 64] فجعل الحسب له وَحْدَهُ، والتأييد بنصر الله وبالمؤمنين. وقد أثْنَى الله (جل وعلا) على قوم أفردوه بالحسب -وهو الكفاية- كما في قوله: {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُواْ حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ (173)} [آل عمران: الآية 173] اللهُ وَحْدَهُ وَلَمْ يذكر معه غيره، فأثْنَى عليهم بإفراد الخالق بهذا الحسب الذي هو الكفاية. ونظيره قوله في خاتمة براءة: {فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ (129)} [التوبة: الآية 129]

طور بواسطة نورين ميديا © 2015