واعلم أن جماعة من العلماء من الصحابة فمن بعدهم زعموا أن هذه الآية من سورة الأنفال منسوخة بآية السيف النازلة في براءة (?)؛ لأنها نازلة بعدها؛ لأن براءة نزلت في رجوع النبي صلى الله عليه وسلم من غزوة تبوك، وذلك العام عام تسع بلا خلاف، لم يعش النبي صلى الله عليه وسلم بعده إلا سنة واحدة، وسورة الأنفال هذه نزلت في وقعة بدر، وكانت في العام الثاني من الهجرة كما أوضحناه. قالوا: فهي منسوخة بآية السيف، كقوله: {فَاقْتُلُواْ الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُواْ لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ} [التوبة: الآية 5].

والتحقيق أن هذه الآية ليست منسوخة، وأن المصالحة والمهادنة لم تنسخ، وأن الإمام يخير وينظر في مصالح المسلمين، فإن رأى المصلحة في الصلح حتى يتقوّى المسلمون فيجتمع شملهم ويقدروا على القتال صالح، وإن رأى المصلحة في عدم الصلح لم يصالح، فالكل واسع وجائز إن شاء الله. وهذا معنى قوله: {وَإِن جَنَحُواْ لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (61)} [الأنفال: الآية 61].

{وَإِن يُرِيدُواْ أَن يَخْدَعُوكَ} [الأنفال: الآية 62] {وَإِن يُرِيدُواْ} أي: الكفار الجانحون للسلم الطالبون للصُّلْحِ {أَن يَخْدَعُوكَ} بذلك الصُّلْحِ ويَتَمَكَّنُوا في مُدَّةِ المُصَالَحَةِ مِنْ تَدْبير المكر والمكائد ليضروك بها؛ لأن بعض الكفار يصالح غدراً ومكيدة، لا محبة في المصالحة. وكانت قريظة بعد أن أعانوا كفار مكة بالسلاح وصالحوه المرة الأخرى ليس في نيتهم الدَّوَام على المصالحة، بل يتربصون به الدوائر،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015