ثقفه يثقفه في الحرب إذا كان له في الحرب ثقافة، أي: بصيرة وعلم قَدَرَ بها على أن يتمكن من قِرنه ويظفر به. يعني: إن كانت ثقافتك في الحرب وبصرك بها خوَّل لك أن تتمكن منهم وتقدر عليهم {فَشَرِّدْ بِهِم مَّنْ خَلْفَهُمْ} (من) مفعول (شرِّد) ومعنى: {فَشَرِّدْ بِهِم مَّنْ خَلْفَهُمْ} افعل لهم فعلاً فظيعاً وعقاباً منكراً هائلاً عظيماً يكون ذلك العقاب عظة لمن خلفهم ومن وراءهم فيتفرقوا ويَتَبَدَّدُوا عنك ويخافوا. وكان بعض الفرسان الشجعان لما سُئل: بأي طريق صار الفوارس يخافونك؟ قال: إذا ظفرت بفارس ضربته ضرباً فظيعاً منكراً ليخاف من وراؤه فلا يجترئوا عليَّ!! فمعنى: {فَشَرِّدْ بِهِم مَّنْ خَلْفَهُمْ} أي: افعل بهم عقاباً منكراً فظيعاً يكون ذلك العقاب المنكر الفظيع سبباً لتشريد مَنْ وَرَاءَهُمْ لِتَفْرِيقِهِمْ وتَبَدُّدِهِمْ عنك وخوفهم منك، وإن كان عند أحدهم عهد فإنهم يخافون مِنْ نَقْضِهِ ويفون به لئلا تَفْعَلَ بِهِمْ مَا فعلت بهم، وهذا هو التَّحْقِيق في معنى الآية، أي: شرِّد مَنْ خَلْفَهُمْ، أي: فَرِّق مَنْ خَلْفَهم وخَوِّفهم وبَدِّدْهُمْ بسبب فِعْلِكَ فيهم؛ لأنك إذا فعلت في هؤلاء الناقضين للعهد ذلك التنكيل العظيم خافَكَ غَيْرُهُمْ فتَفَرَّقُوا وتَبَدَّدُوا عَنْكَ، وخافُوا مِنْكَ، وحافظوا على العُهُودِ إن كانت لهم عهود لئلا توقع بهم مثل ما أوقعت بهؤلاء. وهذا معنى قوله: {فَشَرِّدْ بِهِم مَّنْ خَلْفَهُمْ}.
والضمير في قوله: {لَعَلَّهُمْ} راجع لـ {مَّنْ خَلْفَهُمْ} {لَعَلَّهُمْ} أي: مَنْ خَلْفَهُمْ، مَنْ وَرَاءَهُمْ {يَذَّكَّرُونَ} يَعْتَبِرُونَ ويَتَّعِظُونَ بالفِعْلِ العَظِيمِ الَّذِي فَعَلْتَ بهؤلاَءِ فَلاَ يَجْتَرِئوا عليك بعدها. وهذا معنى قوله: {فَشَرِّدْ بِهِم مَّنْ خَلْفَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ} [الأنفال: الآية 57] ولما مكن الله النبي صلى الله عليه وسلم من بني قريظة وَحَكَّمَ فِيهِمْ سَعْدَ