كما قال تعالى: {فَنَادَوْا صَاحِبَهُمْ فَتَعَاطَى فَعَقَرَ (29)} [القمر: الآية 29] ومما يوضح هذا قراءة حمزة والكسائي (?): {فإن قتلوك فاقتلوهم} [البقرة: الآية 191] بالفعلين من القتل بالفعل المجرد؛ لأن المقتول لا يقتل قاتله، والمعنى: فإن قتلوكم، أُسند الفعل إلى مجموعهم الصادق ببعضهم وهو المقتولين، والمراد بالقتال: الذين بقوا ولم يُقتلوا منهم. وهذا أسلوب عربي معروف، ونظيره في القرآن بأن الله بين في سورة الحديبية أن وجود أولئك المستضعفين كان سببًا مانعًا من نزول العذاب الدنيوي بالكفار، كما سيأتي إيضاحه في تفسير قوله: {وَلَوْلا رِجَالٌ مُّؤْمِنُونَ وَنِسَاء مُّؤْمِنَاتٌ لَّمْ تَعْلَمُوهُمْ أَن تَطَؤُوهُمْ فَتُصِيبَكُم مِّنْهُم مَّعَرَّةٌ} إلى قوله: {لَوْ تَزَيَّلُوا لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا} [الفتح: الآية 25] {لَوْ تَزَيَّلُوا} أي: لو يتميز بعضهم عن بعض، فتميز المشركون عن ضعفاء المسلمين الكائنين فيهم لعذبناهم عذابًا شديدًا، فرفع الله عنهم العذاب لوجود ضعفاء المسلمين الكائنين بين أظهرهم. والذين قالوا هذا القول قالوا: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فبقي لهم أمان، وهو استغفار المؤمنين الكائنين فيهم، منع الله به أن ينزل العذاب؛ لأنه إذا نزل عَمَّ الصالح والطالح.

فبعد ذلك خرج المؤمنون الذين كانوا يستغفرون فقال: {وَمَا لَهُمْ أَلاَّ يُعَذِّبَهُمُ اللَّهُ} [الأنفال: الآية 34] وقد زال عنهم الأمانان بخروج رسول الله صلى الله عليه وسلم وخروج المستضعفين الذين كانوا يستغفرون.

واختار كبير المفسرين أبو جعفر بن جرير (رحمه الله) (?) أنه جعل لهم أمانين: أحدهما على التعليق، والمعنى: {وَمَا كَانَ اللَّهُ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015