وهنا كان خلاف بين العلماء: هل إذا قرأ الإمام يسكت المأموم ويكتفي بقراءة الإمام، أو لا بد أن يقرأ الفاتحة؟ في هذا خلاف مشهور بين العلماء (?)، فبعض العلماء يقول: أما في الجهرية فإن المأموم يسكت؛ لأن الله أمره في قوله: {فَاسْتَمِعُواْ لَهُ وَأَنصِتُواْ} والله يقول {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [النور: آية 63].
ومن العلماء من لا يرى الفاتحة واجبة على المأموم؛ لأن الإمام يحملها عنه. وهذا مذهب مالك، وروي عن أبي حنيفة مثله، وقال به بعض العلماء. قالوا: دل القرآن على أن الذي يسمع ويُؤَمِّن أنه كالذي كان يتكلم. قالوا: والدليل على ذلك أن الله قال في محكم كتابه: {وَقَالَ مُوسَى} موسى وحده لم يكن معه هارون {رَبَّنَا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلأهُ زِينَةً وَأَمْوَالاً فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا رَبَّنَا لِيَضِلُّواْ عَن سَبِيلِكَ} وفي القراءة الأخرى (?): {لِيُضِلُّواْ عَن سَبِيلِكَ رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلاَ يُؤْمِنُواْ حَتَّى يَرَوُاْ الْعَذَابَ الأَلِيمَ} ثم قال: {قَالَ قَدْ أُجِيبَت دَّعْوَتُكُمَا} [يونس: الآيتان 88، 89] قالوا: كيف يكون الداعي واحدًا -وهو موسى- وتكون الدعوة المجابة من اثنين؟! قالوا: لأن هارون كان ينصت لدعاء موسى ويُؤَمِّن عليه، فصار أحد الداعيين لإنصاته وتأمينه، فدل ذلك على أن المنصت المُؤَمِّن كالذي