اعلموا أولاً أن الله أجرى العادة بأنه لا يخلو أحد كائنًا مَنْ كَان مِنْ عَدُو مُنَاوِئ له من بني آدم ومن الشياطين، لا بد للإنسان مِنْ عَدُوٍّ يُنَاوِئهُ من بني جنسه ومن الشياطين. وهذا أمر غالبًا، وخير الناس الأنبياء -صلوات الله وسلامه عليهم- والله يقول: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نِبِيٍّ عَدُوًّا} [الأنعام: آية 112] فلا يخلو إنسان من عدو من بني جنسه وعدو من الشياطين.
ليسَ يَخْلُو المَرْءُ مِنْ ضِدٍّ ولَوْ ... حَاوَلَ العُزلَةَ في رَأْسِ جَبَلْ (?)
وفي هذه الآية والآيتان الأخريان بيان ما يتلقى الإنسان به العدو من جنسه والعدو من الشياطين؛ ليكتفي شرهما ويكسر أصل هذه العداوة المضرة الشنيعة التي لا يسلم منها أحد (?)، وذلك أن عدوك من بني جنسك أنك تقابل إساءته بالإحسان، ومنكره بالمعروف، وإساءته بالحلم والصفح، فإن ذلك الإحسان وذلك الحلم والصفح يقضي على إساءته ويذهبها حتى يُضطر إلى أن يصير في آخر الأمر من أصدق الأصدقاء.
وأما إذا كان العدو من الشياطين فإن الملاينة لا تفيد فيه، وأنت لا تراه ولا لك فيه حيلة إلا الاستغاثة بخالق السماوات والأرض والاستعاذة به منه. قال هنا فيمن يتسلط عليك من الإنس: {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ (199)} [الأعراف: آية 199] وقال في صاحبه الآخر من شياطين الجن: {وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ