قال لِنَبِيِّهِ: {إِنَّكَ لاَ تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ} [القصص: آية 56] وقال له في آيةٍ أُخْرَى: {وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ} [الشورى: آية 52] فيقعُ فيه لطالبِ العلمِ أن يقولَ: كيف قال له: {إِنَّكَ لاَ تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ} [القصص: آية 56] وقال
له: {وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ} [الشورى: آية 52]؟
والجوابُ عن الآيتين: هو ما بَيَّنَّا الآنَ أن للهدى إِطْلاَقًا عَامًّا، وإطلاقًا خَاصًّا، فالهدى المثبتُ له في قوله: {وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ} [الشورى: آية 52] هو الْهُدَى العامُّ، وهو بيانُ الطريق وإيضاحُها. وقد بَيَّنَ - صلى الله عليه وسلم - الطريقَ حتى تَرَكَهَا مَحَجَّةً بيضاءَ، ليلُها كنهارِها، لا يزيغُ عنها إلا هَالِكٌ.
أما الْهُدَى المنفيُّ عنه في قوله: {إِنَّكَ لاَ تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ} [القصص: آية 56] فهو التفضلُ بالتوفيقِ؛ لأن التوفيقَ بِيَدِ اللَّهِ وحدَه {وَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ فِتْنَتَهُ فَلَنْ تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا أُولَئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ} [المائدة: آية 41]. وقوله: {إِنْ تَحْرِصْ عَلَى هُدَاهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لاَ يَهْدِي مَنْ يُضِلُّ} [النحل: آية 37] وفي القراءةِ الأُخْرَى: {فَإِنَّ اللَّهَ لاَ يُهدَى مَن يُضِلُّ} (?) أي: مَنْ يُضِلُّهُ اللَّهُ لا يُهْدَى، لا هاديَ له أبدًا. إذا عرفتُم هذا فقولُه: {وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدَى} [الأنعام: آية 35] يعني به الْهُدَى الخاصَّ والتوفيقَ، أما الْهُدَى العامُّ فقد بيَّن لهم النبيُّ - صلى الله عليه وسلم -، وَهَدَاهُمْ وَأَرْشَدَهُمْ إلى طريقِ الخيرِ.