وتُطلق العرب الفلاح على البقاء والدَّوَامِ في النَّعِيمِ، وكل مَنْ بَقِيَ بقاءً سرمديًّا في النعيم تقول له العرب: (أفلح) وتقول لذلك البقاء: (فلاح) ومنه بهذا المعنى قول الأضبط بن قُريع. وقيل: كعب بن زهير (?):
لكُلِّ هَمٍّ مِنَ الهُمُومِ سَعَهْ ... والمُسْيُ والصُبْحُ لا فَلاَحَ مَعَهْ
يعني: أن تَعَاقُبَ اللَّيْلِ والنَّهَارِ لا بقاء للحَيِّ مَعه، ومنه بهذا المعنى قول لبيد بن ربيعة أيضًا (?):
لَوْ أَنَّ حَيًّا مُدْرِكَ الْفَلاَحِ ... لَنَالَهُ مُلاعِبُ الرِّمَاحِ
يعني: لو أن حيًّا ينال البقاء ولا يموت لناله ملاعب الرماح.
وفي هذين المعنيين بكل منهما فُسِّر حديث الأذان والإقامة في قوله: «حي على الفلاح» فقال بعضهم: (حي على الفلاح) أي: الفوز بالمطلوب الأكبر وهو الجنة. وقال بعضهم: (حي على الفلاح) هَلُمَّ إلَى البَقَاءِ السَّرْمَدِيّ في النعيم الذي لا ينقطع في الجنة؛ لأنكم تنالون ذلك بالمواظبة على الصَّلَوات. وهذا معنى قوله: {وَاتَّبَعُواْ النُّورَ الَّذِي أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} كان بعض أفاضل العلماء يقول: هذه الأخيرة وهي قوله: {وَاتَّبَعُواْ النُّورَ الَّذِي أُنزِلَ مَعَهُ} هي التي جاءت منها البليَّةُ إلى عَمِّهِ صلى الله عليه وسلم أعني أبا طالب؛ لأن أبا طالب من الذين آمنوا برسول الله، فهو مؤمن برسول الله يقينًا (?)، ولا يشك في نبوّته ورسالته، وقد صرح بذلك كثيرًا في شعره كقوله في شعره (?):