{وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِن قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شيئًا} [مريم: آية 9] فصرح بأن المعدوم ليس بشيء.

والمعتزلة يقولون: إنّ المعدوم يصدق عليه اسم (الشيء) ويتعسفون الاستدلال لذلك من آية من كتاب الله، قالوا: إن الله قال: {إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشيء إِذَا أَرَدْنَاهُ} فسماه (شيئًا) قبل أن يريده، وقبل أن يقول له: «كن» وهو في ذلك الحين معدوم. وهذا لا دليل فيه؛ لأنه لما تعلقت إرادة الله به صار كأنه موجود بالفعل؛ لأن المتوقع وجوده كالموجود بالفعل. هذا معنى قوله: {وَسِعَتْ كُلَّ شيء}.

يقول بعض المفسرين: إنه لما عمم سعة رحمته لكل شيء أن إبليس طمع ومد عنقه، وأنه لما قال: {فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ} أنه يئس ورجع. هكذا يقولون، والله أعلم بصحته (?). ويزعمون أن أهل الكتابين قالوا: نحن ممَّنْ يَتَّقِي. فلمّا جاء بعض الصفات علموا أنها لا تنطبقُ كل الانطباق إلا على هذه الأمة الكريمة المرحومة (?)؛ ولذا قال: {فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ}.

{فَسَأَكْتُبُهَا} أجعلها مكتوبة مُقَدَّرَةً مقضيةً لهم، والعرب كل شيء لازم محتوم تسميه مكتوبًا، وهو معروف في لغتهم، ومنه: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ} [البقرة: آية 183] {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ} [البقرة: آية 178] لأن (كَتْب الشيء) معناه: جعله لازمًا، وهذا معروفٌ في لغة العرب، ومنه قول الشاعر (?):

طور بواسطة نورين ميديا © 2015