نواهيه. وقد قدمنا مرارًا في هذه الدروس (?) أن المتقي اسم فاعل الاتقاء، وأن (الاتقاء) في لغة العرب التي نزل بها القرآن معناه: اتخاذ الوقاية. تقول مثلاً: اتقيت الرمضاء بنعلي، والسيوف بمِجَنِّي. وكل شيء جعلت بينه وبينك وقاية فقد اتقيته، ومنه قول نابغة ذبيان (?):
سَقَطَ النَّصِيْفُ ولم تُرِدْ إسْقَاطَهُ ... فَتَنَاوَلَتْهُ واتْقَتْنَا بِالْيَدِ
أي: جعلت يدها وقاية بيننا وبين وجهها لئلا نراه.
وأصل مادة التقوى من (وقي) ففاؤها واو، وعينها قاف، ولامها ياء (?). فهي مما يسميه الصرفيون: لفيفًا مفروقًا (?)، هذا أصلها.
والاتقاء: اتخاذ الوقاية، والاتقاء في الشرع: هو اتخاذ الوقاية التي تقي سخط الله وعذابه، وهذه الوقاية التي تقي الإنسان سخط ربه وعذابه هي امتثال أمره واجتناب نهيه (جل وعلا). فالاتقاء: امتثال الأمر واجتناب النهي، وهو اتخاذ الوقاية التي تقي سخط الله وعذابه، وهذا معنى قوله: {وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ} [الأعراف: آية 128].
لما هدَّأ موسى قومه، وأمرهم بالصبر، وأشار لهم إلى وعد الله، وأن العاقبة لمن اتقى الله وهم المؤمنون لا الكافرون قال له قومه: {أُوذِينَا مِن قَبْلِ أَن تَأْتِينَا} [الأعراف: آية 129] حُذف الفاعل هنا وهو معروف، أي: آذانا فرعون وقومه من قبل أن تأتينا من مدين