منزهة كل التَّنْزِيه، مُقَدَّسة كل التقديس عن مشابهة استواء المخلوقين بجميع أنواعه، فكانت أرض قلبه طيبة طاهرة، وعلى أساس هذا التنزيه العظيم وتنزيل صفات الله بما يليق بالله سهُل عليه أن يؤمن بها إيمانًا مبنيًّا على أساس ذلك التنزيه على غِرار: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} [الشورى: آية 11] لأن الاستواء ليس أوغل في صفات المخلوقين من السمع والبصر، فيكون هذا السلفي أولاً: مُنَزِّهًا صفة الله عن مشابهة صفات المخلوقين. وثانيًا: مؤمنًا بها على أساس ذلك التنزيه في ضوء: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} عالمًا بأنه عاجز عن إدراك الكيفية والإحاطة بالكلّ، فهو مُنَزِّهٌ أولاً، مؤمِنٌ مُصَدِّقٌ ثَانِيًا على أساس التَّنْزِيهِ، واقف عند حَدِّهِ وعِلْمِهِ، فلا يأتيه خطر، ولا يحول حوله غلط.
أما من غلط من النُظَّار -مثلاً- فإن بَلِيَّةَ الغَلَطِ جَاءَتْهُ أولاً من تفسير صفات الله بما لا يليق بالله، فصار مبتدئًا بنوع من التشبيه، فجاءته القلاقل والبلابل من التشبيه؛ لأن أقذر قذر عرفه الإنسان: هو تشبيه خالق السماوات والأرض بخلقه -سبحانه وتعالى عن ذلك علوًّا كبيرًا- فيقول مثلاً: {عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه: آية 5] الاستواء: معناه الانتصاب المعروف كانتصاب المخلوقين، وهذا مستحيل في حق الله! فجاءته البلية من أنه حمل استواء الله على مشابهة استواء الخلق، وهذا رأس الغلط ومَنْشَأُ البَلِيَّةِ، وليس له فيه حق، كان حقه أن ينزه استواء الله، ويعلم أنه صفة الخالِق، والخَلْق صَنْعَة، فصفة الصانع لا تشبه صفة صنعته، وأنها صفة كمال وجلال منزهة عن جميع أنواع التشبيه. فلما حصل في ذهنه التشبيه أولاً وقع في بلايا لا يقصدها، وشر عظيم لا يريد الوقوع فيه، كما قلنا: