أحدُهما: أن همزةَ الاستفهامِ تتعلقُ بمحذوفٍ دَلَّ المقامُ عليه، و (الفاءُ) تَعْطِفُ الجملةَ التي بَعْدَهَا على الجملةِ المحذوفةِ التي دَلَّ المقامُ عليها. والمعنى: أتطمعونَ بما لا طَمَعَ فيه، فتطمعونَ أن يُؤْمِنُوا لكم؟ ونحو هذا. أو: أَلاَ تعرفونَ الحقائقَ فتطمعونَ بما لا طمعَ فيه؟ والأحوالُ متقاربةٌ، وإلى هذا الوجهِ مَيْلُ ابنِ مالكٍ في الخلاصةِ في قولِه (?):

وَحَذْفَ مَتْبُوعٍ بَدَا هُنَا اسْتَبِحْ وَعَطْفُكَ الفِعْلَ عَلَى الْفِعْلِ يَصِحّ

والوجهُ الثاني: أن همزةَ الاستفهامِ مُزَحْلَقَةٌ عن محلِّها، وأنها متأخرةٌ بعد الفاءِ، إلا أنها قُدِّمَتْ عن مَحَلِّهَا؛ لأن للاستفهامِ صدرَ الكلامِ، وعلى هذا فالمعنى: فأتطمعون. فتكونُ الجملةُ معطوفةً بالفاءِ على ما قَبْلَهَا، كأن المعنى: فَأُعْطِفَ على ذلك إنكارُ طَمَعِكُمْ بما لا طمعَ فيه، فيكون المعنى: فأتطمعونَ أن يؤمنوا لكم والحالُ {وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِّنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلاَمَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ}.

التحريفُ: يعني: وضعُ الشيءِ في غيرِ مَوْضِعِهِ، يَصْدُقُ بأن يُبَدِّلُوهُ بما ليسَ منه وأن يُغَيِّرُوهُ، وأن يَحْمِلُوهُ على غيرِ مَحْمَلِهِ، إلى غيرِ ذلك من أنواعِ التحريفِ.

وقولُه: {مِنْ بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ} أَيْ أَدْرَكُوهُ بعقولِهم. العربُ تقولُ: عَقَلْتُ الأمرَ أَعْقِلُهُ، إذا أدركتُه بِعَقْلِي.

والعقلُ نورٌ رُوحَانِيٌّ تُدْرَكُ به النفسُ العلومَ الضروريةَ والنظريةَ (?)، ومحلُّه القلبُ، كما نَصَّ عليه الكتابُ والسنةُ. لا الدماغُ كما يزعمُه الفلاسفةُ.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015