ويجوزُ انقسامُ الناسِ إلى جماعاتٍ متعددةٍ، ولا يلزمُ أن يكونوا فريقين فقط، بل يجوزُ أن يكونوا فريقين وأكثرَ، ومن هذا المعنى قولُ نُصَيبٍ (?):
فَقَالَ فَرِيقُ الْقَوْمِ: لاَ، وَفَرِيقُهُمْ
نَعَمْ [وَقَالَ فَرِيقٌ] (?): وَيْحَكَ مَا نَدْرِي
واختلفَ العلماءُ في المرادِ بهذا الفريقِ الذين سمعوا كلامَ اللَّهِ وَحَرَّفُوهُ بعدَ أن عَقَلُوهُ (?):
قال جماعةٌ من العلماءِ: هذا الفريقُ هم علماؤُهم، ومعنى {يَسْمَعُونَ كَلاَمَ اللَّهِ} يسمعونَ كلامَ اللَّهِ يُتْلَى في كتابِه التوراةِ ويفهمونه {ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ} من بعد ما أَدْرَكُوهُ بعقولِهم، فيجدونَ فيه صفاتِ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -: (أبيضَ)، فيحرفونها إلى (أسمرَ)، ويجدونَ من صفاتِه: (رَبْعَة)، فيحرفونها إلى أنه طويلٌ مُشَذَّبٌ، ونحو ذلك من تغييرِ الصفاتِ.
فعلى هذا الوجهِ فالفريقُ الذين يسمعونَ كلامَ اللَّهِ: العلماءُ يسمعونَ كتابَ اللَّهِ التوراةَ يُتْلَى {ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ} يعني يُبَدِّلُونَهُ وَيُحَرِّفُونَهُ، ويجعلونَ فيه ما ليسَ فيه، بأن يُحِلُّوا حرامَه، ويحرموا حلالَه، ويغيروا فيه صفاتِ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، وينكروا بعضَ آياتِه كآيةِ الرجمِ، وما جرى مجرَى ذلك من التحريفِ.