الظلم، إلا أنهم جميعاً متساوون لا يفوق بعضهم بعضاً، وهم يفوقون غيرهم في الظلم، كما لو قلت: ليس في هذا البلد أعلم من زيد، وليس فيه أعلم من عمرو. وزيد وعمرو مستويان في العلم، فتكون صادقاً، ولا معارضة بين قوليك. وهذا وجه ظاهر لا إشكال فيه، وهو كما قال أبو حيان.
الوجه الثاني: أنها تتخصص بِصِلاَتِها، وعليه فيكون المعنى: {فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى} [الأعراف: آية 37] لا أحد من جنس المفترين أظلم ممن افترى على الله كذباً، ولا أحد من جنس المانعين أظلم ممن منع مساجد الله، ولا أحد من جنس المكذّبين أظلم ممن كذب على الله وكذَّب بالصدق، وهكذا. والظلم قد قدمنا معناه -مراراً- بشواهده العربية (?).
{فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى الله كَذِباً} الافتراء: الاختلاق، والقول بغير الواقع. والكذب: الأصح في أقواله أنه الإخبار بخلاف الواقع (?).
وأقوال البيانيين فيه معروفة، والمراد هنا: الإخبار بغير الواقع، كقولهم إن مع الله شريكاً، وإن له ولداً، وإنه أمرهم بالفاحشة كطوافهم عراة، إلى غير ذلك من افتراءاتهم على الله.
{أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ} التي جاءت بها رسله، فقال: إن هذا القرآن ليس بحق، إنه شعر، أو سحر، أو كهانة، أو أساطير الأولين. لا أحد أظلم ممن افترى هذا الكذب على الله بادعاء الشركاء والأولاد، وأنه حرم كذا وهو لم يحرمه، ولا أحد أظلم ممن كذَّب