والجمع، تُودِعه الحبة فيعطيكها سنبلة، وتودعه النواة فيعطيكها نخلة، وإذا نظرت إلى البساتين المغروسة في طين طيب ووجدت ما فيها من أنواع الثمار الجنية، والروائح، والأزهار، والثمار عرفت قيمة الطين، أما النار فطبيعتها الطيش، والخفة، والتفريق، والإفساد، فكلما وضعت شيئاً فيها فرَّقته وفسَّدته، وطبيعتها الطيش والخفة، يطير الشرر من هنا فيحرق ما هناك، ثم يطير الشرر من هناك فيحرق ما وراءه، والذي طبيعته الطيش والخِفَّة والإفساد والتفريق لا يكون خيراً من الذي طبيعته التؤدة والرزانة والجمع والإصلاح، تودعه الحبة فيعطيكها سنبلة، وتودعه النواة فيعطيكها نخلة!! فالطين خير من النار بأضعاف؛ ولذا غلب على إبليس عنصره وهو الطيش والخفة، فطاش وتمرد على ربه، وخسر الخسران الأبدي، وغلب على آدم عنصره الطيني فلما وقع في الزلة رجع إلى السكينة والتؤدة والتواضع والاستغفار لربه حتى غفر له.
الثالث: أنَّا لو سلمنا تسليماً جَدَلِيّاً أن النار خير من الطين، فَشَرَفُ الأصل لا يدل على شرف الفَرْعِ، فكم من أصل شريف وفرعه وضيع، وكم من أصْلٍ وَضِيع وفَرْعُهُ رَفِيع.
لَئِنْ فَخِرْتَ بَآبَاءٍ لهُمْ شَرَفٌ ... قُلْنَا صَدَقْتَ وَلَكِنْ بِئْسَ مَا وَلَدُوا (?)
فكم من أصل رفيع وفرعه وضيع!!
واعلم أن العلماء في هذا المحل يعيبون القياس، ويذمون الرأي، ويقولون: إنَّ مَنْ قَاسَ فقد اتبع إبليس؛ لأنه أول مَنْ رَدّ