الملائكة وجنس الملائكة لفعل كما فعل الملائكة، فلما بيّن أنه أبى وعصى وتمرد وبين قوله إنه: {كَانَ مِنَ الْجِنِّ} [الكهف: آية 50] تبين أنه من غير الملائكة، ولم يأت في الوحي دليل أظهر في محل النزاع من آية الكهف هذه حيث صرحت بأن إبليس من الجن، ونفته من الملائكة؛ لأنه لو كان من الملائكة لفعل كما فعل الملائكة.
والذين قالوا: إن جمهور العلماء على أن أصله كان ملكاً، وأنه كان يسمى: عزازيل، وأنه كان قائماً بأمر السماء الدنيا، يقولون: إن الجن قبيلة من الملائكة خُلقوا من النار من بين سائر الملائكة، وهذا خلاف ظاهر القرآن، وإن كانت العرب تُسمي الملائكة جنّاً فتسمية الملائكة جنّاً معروف في كلام العرب، ومنه قول الأعشى يمدح سليمان (?):
وَسَخَّرَ مِنْ جِنِّ المَلائِكِ تِسْعَةً ... قِيَاماً لَدَيْهِ يَعْمَلُونَ بِلا أَجْرِ
فقال: (من جن الملائك).
وقال بعض المفسرين: {وَجَعَلُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَباً} [الصافات: آية 158] قالوا: يعني بالجِنَّة: الملائكة؛ لأنهم يُجنُّون عن العيون فلا تراهم كما لا ترى الجن، وزعموا أن معنى: {وَجَعَلُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَباً} [الصافات: آية 158] هو قولهم: الملائكة بنات الله، هكذا قاله بعض العلماء، وهذا خلافٌ مشهور، وأظهر شيء في محل النزاع آية الكهف هذه التي قالت: {وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلاَئِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلاَّ إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ} [الكهف: آية 50] ثم رتب على كونه من الجن بالفاء {فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ} [الكهف: آية 50] فدل بمسلك الإيماء