أصابعها، وأبعد إبهامها من سبابتها ليُمكنك العقد والحلّ بها - فلو جعل الإبهام مقترناً بالسبابة لما حللت شيئاً ولا عقدت شيئاً - شكر هذه اليد أن لا تبطش بها في شيء إلا شيئاً يُرْضِي مَنْ خَلَقَهَا (جل وعلا)، فلا تكتب بها ما لا يرضي الله، ولا تضرب بها ضرباً لا يرضي الله، ولا تفعل بها فعلاً لا يرضي الله. وهَذِهِ القَدَمُ الّتي أنْعَمَ الله عليك بها، تمْشِي بها، شُكْرُهَا: أن لا تسعى بها لشيء إلا لشيء يرضي مَنْ خَلَقَها، وهكذا. فالمال الذي أنْعَمَ اللهُ عَلَيْكَ به شُكْرُهُ: أن لا تَسْتَعيِن به إلا في شيء يُرْضِي مَنْ أَعْطَاكَ إِيَّاهُ، وكذلك الجاه، إذا أعطاك اللهُ جَاهاً ومَنْزِلَة ومكانة يمكنك التصرُّف فيها وتسهيل الأمور فلا تَسْتَعِنْ بِتِلْكَ النعمة إلا على شيء يُرْضِي مَنْ خَلَقَهَا، لا لنفسك ولا لغيرك، فلا تشفع بِجَاهِكَ في وصول إنسان إلى محرَّم، أو ظلم إنسان لإنسان، فكل ذلك من كُفْرِ النِّعْمَةِ وعَدَمِ شُكْرِهَا.
فعَلَيْنَا جميعاً أن نشكر خالِقَنَا، وأن نستعين بِنِعَمِهِ على ما يُرْضِيهِ؛ لأنَّ العَبْدَ إذا عرف قَدْرَ ذُلِّه وضعفه ومهانته، وعرف قَدْرَ عِظَمِ رَبِّه وجَلالة شَأْنِهِ، وعرف ما أنعم عليه ربه به من النِّعَمِ مِنْ غَيْرِ اسْتِحْقَاقٍ عَلَيْهِ، ثُمَّ صرف تلك النِّعَم فيما يُسْخِط اللهَ ويُغْضِبه ولا يرضيه، واستعان بِنِعَمِهِ على ما يَكْرَهُهُ فإن هذا أشد اللؤم وأعظم الوقاحة، ولا يَنْبَغِي أَنْ يُقدم عليه عاقل! فعلينا جميعاً أن نُلاحِظ نِعَمَ اللهِ عَلَيْنَا، وأن لا نَسْتَعْمِلَهَا في شيء لا يرضيه؛ لأن استِعَانَتَنَا بنعمه على ما يسخطه أمر قبيح منا، ولؤم شنيع لا ينبغي لعاقل أن يُقْدِمَ عَلَيْهِ.
أما شكر الرب لعبده فقد قال بعض العلماء: هو أن يُثيبَهُ