الدنيا من أنواع الإنعام إنعاماً عظيماً ينبغي لهم أن يشكروا له ذلك الإنعام، وأن لا يستعينوا بإنعامه على معصيته، فإن من أعظم أنواع اللؤم والخساسة أن ينعم علينا رب السماوات والأرض العظيم الأعظم بنعمه الكثيرة ثم نستعين بها على معصيته وما لا يرضيه!! هذا مِنْ أَقْبَحِ القبيح، وأشنع الشنيع الذي لا ينبغي لأحد أن يفعله.

وقد نَبَّهَنَا في هذه الآيات على بعض الإنعام الذي أنعم علينا قال: {وَلَقَدْ مَكَّنَّاكُمْ فِي الأَرْضِ} [الأعراف: آية 10] والله لقد مكناكم في الأرض؛ أي: جعلناكم متمَكِّنِينَ فيها، مُتَصَرِّفِين قادرين على استجلاب المعايش والرفاهية والراحة بما هيأنا لكم من الأسباب، جعلنا لكم الأرض ساكنة قابلة؛ لأن تبنوا عليها، وتبنوا منها البيوت التي هي هنيّة لذيذة للمقام، ثم جعلناها قابلة لأنواع الازدراع لتزرعوا فيها ما تأكلون وما تلبسون، ثم خلقنا لكم الأنعام، وذللناها لكم، فمنها ركوبكم ومنها تأكلون، أنبتنا لكم فيها الأصواف والأوبار والأشعار لتلبسوا منها، وجعلنا لكم لحومها لتأكلوا منها، وأسمانها، وألبانها، وأزبادها، وجعلنا لكم الحديد لتستعينوا به على أمور دنياكم وفلاحتكم، إلى غير ذلك من سائر الأسباب والتمكين الذي مكنه لنا في الدنيا.

وقال بعض العلماء: (مكناكم فيها) أي: جعلنا لكم فيها أمكنة تسكنون بها في الدنيا ذاهبين وراجعين. والله جعل لنا الأرض تضمُّنَا على ظهرها أحياء، وفي بطنها أمواتاً كما يأتي في قوله: {أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ كِفَاتاً (25) أَحْيَاء وَأَمْوَاتاً (26)} [المرسلات: الآيتان 25، 26] {كِفَاتاً} أي: محلاً لكفتكم. أي: ضمكم. والكَفْت في لغة

طور بواسطة نورين ميديا © 2015