يعني: أن مَنْ رَزَقَهُ اللهُ نُورَ العقل فَقَدْ فَازَ بالمطلوب الأكْبَر الذي يطلبه كل إنسان؛ لأن العقل يعقل صاحبه عن كل ما لا ينبغي، ويحجزه عن كل ما يَشِين، ومنه بهذا المعنى أيضاً قوله تعالى: {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ} [المؤمنون: آية 1] فهو محتمل للمعنيين أيضاً، والفلاح في جميع القرآن محتمل للمعنيين المذكورين:
الأول: هو ما ذكرنا: أنه الفوز بالمطلوب الأكبر.
الثاني: أن المراد بالفلاح: الدوام والبقاء السَّرْمَدِي في النعيم، فكل من كان له دوام وبقاء في النعيم تقول العرب: نَالَ الفَلاحَ. وهذا المعْنَى معروف في كلامهم. ومنه قول الأضبط بن قريع، أو كعب بن زهير على أحد القولين (?):
لِكُلِّ هَمٍّ مِنَ الهُمُومِ سَعَهْ ... وَالمُسْيُ وَالصُّبْحُ لاَ فَلاَحَ مَعَهْ
يعني: أن تعاقب الليل والنهار لا بقاء للإنسان في دار الدنيا معه، ومنه بهذا المعنى قول لبيد بن ربيعة في رجزه (?):
لَوْ أَنَّ حَيّاً مُدْرِكَ الْفَلاَحِ ... لنَالَهُ مُلاعِبُ الرِّمَاحِ
يعني: لو كان إنسان خالداً لا يموت لنال الخلود ملاعب الرماح، يعني: عمه أبا براء عامر بن مالك، المعروف، أحد بني أم البنين الأربعة. وبهذين المعنيين فُسر حديث الإقامة والأذان (حي على الفلاح) قال بعض العلماء: حيّ: بمعنى هَلُمَّ وتعالوا إلى الفوز بالمطلوب الأكبر، وهو الجنة والسعادة ورضا الله؛ لأن أكبر أسباب ذلك الصلاة.