العقول، إذا رأيتم الناس يوم جمرة العقبة مجتمعة من أقطار الدنيا وجدتموها على صَبَّة واحدة: الأنف ها هنا، والعينان ها هنا، والفم ها هنا، على نمط وأسلوب واحد، مع أنه لم تشتبه صورة رجل بصورة رجل حتى لا يُفرَق بينهما، ولا صورة امرأة بصورة امرأة، فكل منهم له صورة يُطبع عليها، سابق علم الله بها، مُنفَّذ في تصويره بها. وهذا مما يدل على كمال وعظمة خالق السماوات والأرض.
ولكن تفسير الحروف المقطعة بأنها تدل على حروف من أسماء الله، هذا التفسير وإن قال به بعض أهل العلم، وإن كان له أصل في الجملة في اللغة العربية؛ لأن من أساليبها: وضع الحرف مراداً به الكلمة، كما قال الراجز (?):
قُلْتُ لهَا: قِفِي فَقَالَتْ لِي: قَافْ ... لاَ تَحْسَبِي أنَّا نَسِينَا الإِيجافْ
يعني بقوله: «قاف» وقفت. ومنه قول الآخر (?):
بِالخَيْرِ خَيْرَاتٌ وَإِنْ شَرّاً فَا ... وَلاَ أُرِيدُ الشَّرَّ إِلاَّ أَنْ تَا
يعني: وإن شرّاً فشر، ولا أريد الشر إلا أن تشاء. فجاءوا بالحرف واستغنوا عن الكلمة.
لكن هذا التفسير لم يقم عليه دليل، ولا يجب الرجوع إليه. وقد يفتح باب هذا التفسير للباطنية الزنادقة حيث يفسرون الكلام برموز وألغاز غير مرادة.