قَالَ: وَكَانَ عَبْدُ اللهِ بنُ عُمَرَ يزيدُ فِيهَا: "لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ، والخَيْرُ بِيَدَيْكَ، وَالرَّغْبَاءُ إِلَيْكَ وَالعَمَلُ" (?).
اعلم: أنَّ التَّلبية هي الإجابة، وهي مثنَّاة للتكثير والمبالغة، ومعناها: إجابة بعد إجابة، ولزومًا لطاعتك، فتثنى للتوكيد.
واختلف أهل اللُّغة في أنَّ لفظ التَّلبية مثنًّى أم مفرد؟ فقال سيبويه: مثنًّى؛ بدليل قلب ألفه ياء مع الظهور، وأكثر النَّاس على قول سيبويه، وقال يونس بن حبيب البصري: لبَّيك: اسم مفرد لا مثنًّى، وألفه إنَّما انقلبت ياءً لاتِّصالها بالضَّمير؛ كلَدَيَّ، وعَلَيَّ، وهو مأخوذ من أَلَبَّ بالمكان، ولبَّ: إذا أقام به؛ أي: أنا مقيم على طاعتك، وقيل: من لُبِّ الشيء، وهو خالصُه؛ أي: إخلاصي لك. قيل: معناه: الخضوع، وقيل: المحبَّة، وقيل: القرب، فكأنَّه أجاب بكل واحد من هذه المعاني، قال القاضي عياض - رحمه الله -: قيل: هي الإجابة؛ لقوله تعالى لإبراهيم - صلى الله عليه وسلم -: {وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ} [الحجّ: 27]، والله أعلم (?).
وقوله: "إنَّ الحَمْدَ وَالنِّعْمَةَ لَكَ": أمَّا "إنَّ"، فتروى بكسر الهمزة؛ لأنَّه يدلُّ على أنَّ الحمد لله على كلِّ حال، وهو أجود في المعنى وأشهر نقلًا واختيارًا، ويروى بفتحها؛ لأنه يدلُّ على التَّعليل، كأنَّه يقول: لهذا السَّبب لبَّيتك.
وأمَّا "النِّعْمَةَ لَكَ"، فالأشهر فيها النَّصب عطفًا على الحمد، ويجوز الرفع على الابتداء، والخبر محذوف، وقال ابن الأنباري: وإن شئت جعلت خبر إنَّ محذوفًا، تقديره: إنَّ الحمد لك، والنِّعمة مستقرة لك.
وقوله: "وَسَعْدَيْكَ" هي في إعرابها وتبيينها؛ كلبَّيك، ومعناه: مساعدة لطاعتك بعد مساعدة.