وفيه دليل على الأخذ بالرخصة، وقد قال - صلى الله عليه وسلم -: "إنَّ الله يحبُّ أن تُؤْتى رخصُه، كما تُؤْتى عَزائمُه" (?).
وقد قال الفقهاء: الرخصة إذا وقعت، عمت، لكن عمومها إنما هو في المحل الَّذي وقعت من أجله، والله أعلم.
* * *
عن أنسِ بنِ مالكٍ - رضيَ اللهُ عنهُ - قال: كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - في السَّفَرِ، فَمِنَّا الصَّائِمُ، وَمنَّا المُفْطِر، قالَ: فنزلْنا منزلًا في يوم حارٍّ، وأكثرُنا ظلّاً صاحبُ الكساء، فمنَّا مَنْ يتقي الشمسَ بيدِه، قالَ: فَسَقَطَ الصُّوَّامُ، وقَامَ المُفْطِرُونَ، فَضَربوا الأبنيةَ، وسَقَوا الركابَ، فقالَ رسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "ذهبَ المُفْطِرُونَ اليَوْمَ بِالأَجْرِ" (?).
أما الأبنية، فجمع بناء، وهي البيوت التي تسكنها العرب في الصحراء، فمنها الطراف، والخباء، والبناء، والقبة، والمضرب، وقد تكرر ذكره مفردًا ومجموعًا في الحديث.
والركتاب: الإبل، وتجمع ركائب.
وقوله - صلى الله عليه وسلم -: "ذَهَبَ المُفْطِرُونَ اليَوْمَ بِالأَجْرِ"، والأجر وجهان:
أحدهما: الأجر الخاص المرتب على الأفعال التي فعلوها، والمصالح التي جرت على أيديهم، لا مطلق الأجر على سبيل العموم.
والثاني: أن يكون أجر المفطرين قد بلغ في الكثرة بالنسبة إلى أجر الصوم مبلغًا ينغمر فيه أجر الصُّوَّام، فتحصل المبالغة بسبب ذلك، وتجعل كأن الأجر