الرجحان بالعبادات المالية، فيكون الغني أفضل، وذلك غير مشكوك فيه، والذي يقع النظر فيه إذا تساويا في أداء الواجب فقط، وانفرد كل واحد بمصلحة ما هو فيه من الصبر أو الشكر؛ فإن كلًّا منهما متعبد به، وإذا تقابلت المصالح، ففي ذلك نظر يرجع إلى تفسير الأفضل، فإن فسر بزيادة الثواب، فالقياس يقتضي أن المصالح المتعدية أفضلُ من القاصرة، وإن فسرنا بالأشرف بالنسبة إلى صفات النفس، فالذي يحصل للنفس من التطهير للأخلاق والرياضة لسوء الطباع بسبب الفقراء أشرفُ، فيترجح الفقراء، ولهذا المعنى ذهب الجمهور من الزهاد والعباد إلى ترجيح الفقير الصابر؛ لأن مدار الطريق على تهذيب النفس ورياضتها، وذلك مع الفقر أكثر منه مع الغنى، فكان أفضل بمعنى الشرف، وقد اختلف العلماء في هذه المسألة على خمسة أقوال:

أحدها: تفضيل الغني؛ لهذا الحديث وغيره.

والثاني: تفضيل الفقير؛ لاستعاذته - صلى الله عليه وسلم - من الغنى، خصوصًا إذا كان مطغيًا.

والثالث: تفضيل الكفاف؛ لسؤاله - صلى الله عليه وسلم - إياه.

والرابع: أن التفضيل باعتبار حال الناس في الغنى والفقر بالنسبة إلى صلاحهم في أنفسهم وأديانهم.

والخامس: التوقف عن تفضيل واحد منهما.

ولا شك أن المسألة لها غَوْر، والأحاديث فيها متعارضة، وقد صنف العلماء فيها كتبًا عديدة، والذي يقتضيه القول في التفضيل ما اختاره الله سبحانه لنبيه - صلى الله عليه وسلم - وصحابته -رضي الله عنهم-، وهو الفقر غير المدقع، ويكفيك دليلًا ما ثبت في "الصحيح" مرفوعًا أن فقراء المسلمين يدخلون الجنة قبل أغنيائهم بخمس مئة عام (?)، وأصحاب الأموال محبوسون على قنطرة بين الجنة والنار، ويُسألون عن

طور بواسطة نورين ميديا © 2015