لكن في حديث بلال، وابن أم مكتوم؛ ما يدلُّ على تفاوت وقت أذانهما، ففي رواية في "صحيح مسلم": "أنه ليسَ بينَ أذانهما، إلا أنْ ينزلَ هذا، ويصعدَ هذا" (?).
وفيه: دليلٌ على جواز أن يكون المؤذن أعمى؛ فإن ابن مكتوم كان أعمى، وأذانه صحيح، ولا كراهة فيه إذا كان معه بصير، وقال أصحاب الشافعي: يكره أن يكون الأعمى مؤذنًا وحده.
وفيه: دليل على جواز تقليد البصير للأعمى في الوقت، وجواز اجتهاده فيه؛ فإن الأعمى لا بد له من طريق يرجع إليه في طلوع الفجر؛ إما سماع من بصير، أو اجتهاد.
وفي الصحيح: "أنه كانَ لا يؤذن، حتى يقالَ له: أصبحت أصبحت" (?)؛ فهذا دليل على رجوعه إلى البصير، ولو لم يرد ذلك، لم يكن في هذا اللفظ دليلٌ على جواز رجوعه إلى الاجتهاد بعينه؛ لأن الدال على أحد الأمرين منهما، لا يدل على واحد منهما معينًا.
وفيه: دليلٌ على جواز أن يكون للمسجد الواحد مؤذنان.
وفيه: دليل على استحباب أن يؤذن كل واحد منهما مفردًا، مرتين، إذا اتسع الوقت؛ كصلاة الفجر، ونحوها، فإن كان ضيقًا؛ كالمغرب، فإنه لم ينقل فيها مؤذنان، وقال الفقهاء من أصحاب الشافعي: يتخيرون بين أن يؤذن كل منهم في زاوية من زوايا المسجد، وبين أن يجتمعوا، ويؤذنوا دفعة واحدة.
واعلم أنه لو اقتصر على مؤذن واحد في المسجد؛ لم يكن مكروها، وفرق بين أن يكون الفعل مستحبًا، وبين أن يكون تركه مكروهًا، فلو زاد على مؤذنين؛