وأصحابِه، ولا عارضَهم معارضةَ غيرِهم من المؤمنين (?).
قال شيخنا أبو الفتح الحافظ -رحمه الله-: وهذا إنما يلزم، على أن ترك معاقبة المنافقين كانَ واجبًا عليه - صلى الله عليه وسلم -؛ فتمتنع معاقبتهم بهذا التحريق؛ فيكون ذلك في المؤمنين.
فأما إذا كان تركه مباحًا له - صلى الله عليه وسلم -، مخيرًا فيه، فلا يلزم ذلك، بل يجوز أن يكون في المنافقين؛ بجواز معاقبته لهم، وليس في إعراضه - صلى الله عليه وسلم - عنهم بمجرده، ما يدل على وجوبه عليه.
ولعل في قوله - صلى الله عليه وسلم -، وتركه ما طلب منه فيهم؛ لئلا يتحدث الناس: أن محمدًا يقتل أصحابه؛ طلبًا للتأليف، وعدم التنفير عن الإسلام: ما يشعر بتخييره - صلى الله عليه وسلم - فيهم؛ لأنه لو كان يجب عليه ترك قتلهم، لكان الجواب بصريح المنع الشرعي، وهو أنه لا يحل قتلهم، ومما يشهد أن ذلك في المنافقين عندي: سياق الحديث من أوله: "أثقلُ صلاةٍ على المنافقين".
قال: ووجه آخر، وهو أن هَمَّهُ - صلى الله عليه وسلم - بالتحريق يدلُّ على جوازه، وتركه التحريقَ يدلُّ على جواز تركه؛ وإذا اجتمعَ الجوازُ والترك في حقِّ هؤلاء، لا يلزم أن يكون هذا المجموع في المؤمنين؛ هذا ملخص كلامه -رحمه الله - (?).
ثم لو سلم أن التحريق كان لترك الجماعة، لما كان فيه دليل على أنها فرض عين؛ لأنه لم يحرق، وهَمَّ به، ثم تركَه، ولم يخبرهم أن من تركَ الجماعة: أَنَّ صلاته غير مجزية؛ وهو موضع البيان.
وضعف ذلك، على تقدير أن يكون المراد بالحديث المؤمنين؛ لأنه - صلى الله عليه وسلم - لا يجوز أن يهم إلا بما يجوزُ له فعلُه لو فعله، وإنما كونه لم يخبرهم، إلى آخره؛ فلأن البيان لم يتعين أن يكون بالتنصيص، بل يكون بالدلالة، ولما قال - صلى الله عليه وسلم -: "ولقد هممتُ، إلى آخره"؛ دلَّ على وجوب الحضور عليهم لصلاة الجماعة.