ولحثِّه - صلى الله عليه وسلم - على نوع من الذكر بعدَ الصبح وهو ثانٍ رجلَيه على هيئة الجلوس في الصلاة قبل أن يقوم، ولأنه أجمعُ للقلب، وأبعدُ عن شغله.

فيكون انفتالهُ - صلى الله عليه وسلم - أحدَ الاحتمالين؛ لبيان الجواز، أو محمولًا على حالة دعت إليه مصلحتها متعدية عامة.

وذهب أحمد بن حنبل، ومن وافقه: إلى أن انفتال الإمام إلى المأمومين بجميع بدنه عقب السلام أفضل، واستدل بأحاديث أخرى قال فيها: فلما سَلَّمَ، انْفتلَ، وأَقَبلَ على جُلَسَائِه.

والذي يقتضيه الجمعُ بين الأدلة أنه إن كانت المصلحة الشرعية في الاستقبال أكثر، كان أفضل، [وإن كانت في الانفتال إلى المأمومين أكثرَ، كانَ أفضلَ] (?)، والله أعلم.

وقوله: "وكانَ يقرأ بالستينَ إلى المئةِ"؛ معناه: يقرأ قراءة مرتلة بالستين من الآيات إلى المئة منها، وفي ذلك مبالغة في التقديم في أول الوقت، والتطويل، لا سيما مع ترتيل قراءة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.

وليس هذا الحكم خاصًّا به - صلى الله عليه وسلم -، وبصحابته الذين كانوا يصلون وراءه، بل هو عام في جميع أمته، إمامُهم، ومأمومُهم، ومنفردُهم، إذا لم يكن عذر من مرض، أو كبر، أو ضعف، أو حاجة، أو صغر.

ولهذا ثبت في الصحيح: أنه - صلى الله عليه وسلم - قال: "إِذا أَمَّ أَحَدُكُمُ النَّاسَ، فَلْيُخَفِّفْ؛ فإن منهم الكبيرَ، والضعيفَ، وذا الحاجةِ" (?)، وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "إِني أَدْخلُ في الصلاة، وإني أُريدُ إطالَتَها، فَأسمعُ بكاءَ الصَّبِيِّ، فَأتَجَوَّزُ في صَلاتي كراهيةَ أَنْ أَشُقَّ على أُمه" (?).

وأحكام الحديث معلومة من شرحه، والله تعالى أعلم.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015