اعلم أن تسمية الجنابة باسم المني: من باب تسمية الشيء باسم سببه؛ فإنَّ خروج المني، ووجودَه: سبب لاجتناب الصلاة، وما في معناها، وبعده عنها.

ثمَّ إنَّ غَسْلَ عائشة - رضي الله عنها - للمني، من ثوب النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - لم يكن لاعتقاد نجاسته، ووجوب غسله؛ وإنما كان لمجرد التنظيف؛ لقولها في الرواية الثانية: "كنتُ أفرُكه من ثوبهِ - صلى الله عليه وسلم - فركًا فيصلِّي فيه".

فلو كان نجسًا، لم يتركْه النبي - صلى الله عليه وسلم -، ولم يكتفِ بفركه، أو حكه.

وقد اختلف العلماء؛ في طهارة مني الآدمي، ونجاسته:

فقال الشافعي، وأحمد في أصح روايتيه، وأصحابُ الحديث: بطهارته، وهو مروي عن علي بن أبي طالب، وسعد بن أبي وقاص، وابن عمر، وعائشة، وبه قال داود -أيضًا-.

واستدلوا بما تقدم من فركه، وحمل حديث غسله على الاستحباب، والتنزه، واختيار النظافة.

وقال مالك، وأبو حنيفة، والليث، والحسن بن صالح: بنجاسته؛ حتى قال مالك: لا بدَّ من غسله، رطبًا ويابسًا.

وقال أبو حنيفة: يكفي في تطهيره فركُه إذا كان يابسًا، ويجب غسله إذا كان رطبًا؛ عملًا بالحديث في فركه، وبالقياس في غسل الرطب.

ولم يرَ الاكتفاءَ بالفرك دليلًا على الطهارة، وشبهه بعض أصحابه: بما جاء في الحديث من دلك النعل من الأذى؛ في قوله - صلى الله عليه وسلم -: "إذا وَطِئَ أحدُكم الأذى بنعلِه، أو خُفِّه، فطهورُهما الترابُ" رواه الطحاوي، من حديث أبي هريرة (?)؛ فإنَّ الاكتفاء فيه بالدلك لا يدل على طهارة الأذى.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015