أمَّا ألفاظ حديث عائشة - رضي الله عنها -:
فقولها: "كانَ إذا اغتسلَ من الجنابةِ"؛ وصيغةُ (كان) تقتضي تكرار فعله؛ أي: وكان عادته؛ كقول ابن عباس: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أجودَ الناس بالخير (?)، ويقال: كان فلان يَقْرِي الضيفَ.
وقد تستعمل؛ لإفادة مجرد الفعل ووقوعه دون الدلالة على التكرار.
والأول أكثر في الاستعمال، وعليه ينبغي حملُ قول عائشة - رضي الله عنها -.
وقولها: "إذا اغتسلَ منَ الجنابةِ"؛ يحتمل أن تقدر له الإرادة؛ فيكون من باب التعبير بالفعل عن ارادته؛ كما في قوله تعالى: {فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ} [النحل: 98].
ويحتمل أن تريد به ملابسة الفعل بالشروع فيه؛ فإنه يقال: فعل كذا؛ إذا شرع فيه، وإذا فرغ منه؛ فيكون حمله على الشروع صحيحًا، ويكون وقتًا للبداءة بغسل اليدين.
بخلاف قوله تعالى: {فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ} [النحل: 98]؛ فإنَّه لا يمكن وقت الشروع في القرآن أن يكون وقت الاستعاذة، فلا يكون حمله عليه صحيحًا؛ فيتعين حمله على الإرادة دون الشروع، والله أعلم.
وقولها: "منَ الجنابةِ"؛ في من -هَاهُنا- معنى: السببية، مجاز عن ابتداء الغاية من حيث إن السبب مصدر المسبب، ومنشِئًا له.
وتكون الجنابة -هاهنا- بمعنى: الأمر الحكمي الذي ينشأ عن التقاء الختانين، أو الإنزال.