ومنها: تحريم الشرب في إناء الفضة، ولا فرق بين الأكل والشرب وسائر الاستعمال في التحريم، ولا فرق بين الرجال والنساء في ذلك. وأجمع المسلمون على ذلك، إلا ما حكاه بعض أصحاب الشافعي العراقيين عند قول قديم للشافعي: أنه يكره ولا يحرم، إلا ما حكي عن داود الظاهري من تحريم الشرب دون غيره، وهما نقلان باطلان؛ لمخالفتهما الأحاديث الصحيحة في النهي عن ذلك جميعه، وللوعيد عليه بالنار كما بيناه، ولمخالفتهما الإجماع.

وداود الظاهري لا تعد مخالفته خارقة للإجماع عند المحققين من الأصوليين كما قدمنا ذكره.

والقول القديم للشافعي مرجوع عنه، إذا خالفه قوله الجديد، فلا يكون قولًا له، ولا تحل نسبته إليه إلا للبيان. كيف ولم يثبت عنه هذا قولًا قديمًا؟

قال صاحب "التقريب"-وهو من متقدمي الشافعية، وهو أتقنهم لنقل نصوصهم-: سياق كلام الشافعي في القديم يدلُّ على أنه أراد نفس الذهب والفضة الذي اتخذ منه الإناء، وأنه ليس حرامًا، ولهذا لم يحرم الحلي على المرأة. هذا آخر كلامه (?).

والمجتهد لو قال قولًا صريحًا، ثم رجع عنه، لم تحلَّ نسبته إليه، ولا يبقى قولًا له، وإنما يُذكر ويُنسب إليه مجازًا باسم ما كان عليه، لا أنه قول له الآن، فثبت انعقاد الإجماع على تحريم استعمال إناء الذهب والفضة في الأكل والشرب وسائر الاستعمالات، حتى يحرمُ الأكلُ بملعقة من أحدهما، والتجمُّر بِمْجمرة

طور بواسطة نورين ميديا © 2015