وحكاية القول عن أهل المدينة بعدم صحة سماعه من النبي - صلى الله عليه وسلم - ضعيفة أو باطلة، والله أعلم.

وهذا الحديث عظيم الموقع كثير الفوائد، وهو أحد الأحاديث التي عليها مدار الإِسلام، وقد وصفه العلماء بأنه ثلث الإِسلام أو ربعه، ويمتاز عليها بأنه أصل كبير في الورع وترك المتشابهات.

وللشبهات مثارات؛ منها: الاشتباه في الدليل الدال على التحامل أو التحريم وتعارض الإمارات والحجج؛ ولهذا قال - صلى الله عليه وسلم -: "لا يعلمها كثير من الناس" إشارة إلى ما ذكرنا، مع أنه يحتمل أنه لا يعلم عينها، وإن علم حكمها أصلًا في التحليل والتحريم، وهذا -أيضًا- من مثار الشبهات.

وقد نبه - صلى الله عليه وسلم - على صلاح المطعم والمشرب والملبس وغيرها، وأنها ينبغي أن تكون حلالًا، وأرشد إلى معرفة الحلال، وأنه ينبغي ترك الشبهات؛ فإنه سبب لحماية دينه وعرضه، وحذر من مواقعة الشبهات، وأوضح ذلك بضرب المثل بالحمى، ثم بين أهم الأمور، وهو مراعاة القلب؛ فقال - صلى الله عليه وسلم -: "ألا وإن في الجسد مضغة ... " إلى آخره، فتبين أن بصلاح القلب يصلح باقي الجسد، وبفساده يفسد باقيه.

وقوله - صلى الله عليه وسلم -: "الحلالُ بينٌ"؛ معناه: "بيِّنٌ حلُّه في عينه ووصفه، واضحٌ لا يخفى على أحد؛ كالمأكولات من الفواكله والحبوب والزيت والعسل والأسمان والألبان من مأكول اللحم والبيض وغير ذلك، وكالكلام والنظر والمشي والتصرفات الحلال التي لا شك فيها، وكالأكساب بالعقود الصحيحة الواضحة شرعًا، وبالتبرعات المأذون فيها شرعًا، ونحو ذلك.

وقوله - صلى الله عليه وسلم -: "وإن الحرامَ بين"؛ يعني: في عينه ووصفه بين واضحٌ؛ كالخمر والميتة والخنزير والبول والدم المسفوح، وكذلك المأخوذ بعقد نهى الشرع عنه على عينه، وكذلك الزنا والكذب والغيبة والنميمة والنظر إلى الأجنبية، وشبه ذلك.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015