وقال شيخُنا القاضي أبو الفتح -رحمه الله-: ويجوزُ أَنْ يكونَ الأعلى من الصفات اللازمة؛ التي ليس لها مفهوم يخالف المنطوق؛ كما في قوله تعالى: {وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لَا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ} [المؤمنون:117]؛ وليس ثمَّ داعٍ (?) إلهًا آخر له به برهان (?).

وكذلك {وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ} [البقرة: 61]؛ ولا يكونُ قتلُ النبيين، إلَّا بغيرِ الحقِّ.

فيكونُ الرفيقُ لم يطلقْ الأعلى؛ إلا على الَّذي اختصَّ الرفيقُ به، ويقوِّي هذا ما ورد في بعض الروايات: "وأَلْحِقْني بالرَّفيقِ" (?)، ولم يصفه بالأعلى؛ وذلك دليل: أنَّه المراد بلفظة الرفيق، ويحتمل أن يعم الأعلى، وغيره.

ثم ذلك على وجهين:

أحدهما: أَنْ يُخَصَّ الفريقان معًا، بالمقربين المرضيِّين، ولا شكَّ أَنَّ مراتبَهم متفاوتةٌ؛ فيكون - صلى الله عليه وسلم - طَلَبَ أَنْ يكونَ في أعلى مراتب الرفيق؛ وإِنْ كانَ الكلُّ من السعداءِ المرضيِّين.

الثَّاني: أنَّه يُطْلَقُ الرفيقُ، بالمعنى الوضعي؛ الَّذي يعمُّ كلَّ رفيق، ثمَّ يخص منه الأعلى بالطلب؛ وهو مطلق المرضيين؛ ويكونُ الأَعْلَى بمعنى: العَالِي، ويخرج عنه غيرهم، وإن كانَ اسمُ الرفيقِ منطلقًا عليهم.

ويُروَى أنَّ عُمَر بنَ عبدِ العزيزِ - رضي الله عنه - لمَّا حَضَرتْه الوفاةُ، قال: أجلسوني، فأجْلَسُوه، فقال: أنا الَّذي أَمرْتَني فَقَصَّرْتُ، ونَهَيْتَني فَعَصيْتُ، ولكن لا إلهَ إلَّا الله، ثمَّ رَفَعَ رأسَه، فأمدَّ النَّظَرَ، ثمَّ قال: إِنِّي لأَرَى حضرةً ما هم بإنسٍ، ولا جنٍّ، ثمَّ قُبِضَ (?).

طور بواسطة نورين ميديا © 2015