وقوله - صلى الله عليه وسلم -: "الإشراكُ بالله"؛ يحتمل أن يراد به مطلقُ الكفر، وخصص الإشراك بالذكر؛ لغلبته في الوجود، لا سيما في بلاد العرب؛ تنبيهًا على غيره، ويحتمل أن يراد به: خصوصية الإشراك، لكنه بعيد؛ لكون بعض الكفر أعظمَ قبحًا من الإشراك؛ كالكفر بالتعطيل؛ فإنه نفي مطلق، والإشراك إثبات مقيد، فهو أخف قبحًا من التعطيل، فحينئذ يكون ذكر الإشراك على الاحتمال الثاني من باب التنبيه بالقبيح على الأقبح، والله أعلم.
وقوله - صلى الله عليه وسلم -: "وعقوقُ الوالدين"؛ العقوقُ مأخوذ من العَقّ، وهو القطع، وذكر الأزهري: أنه يقال: عن والده يعُقه -بضم العين- عقًّا، وعقوقا: إذا قطعه، ولم يصل رحمه، وجمع العاق: عَقَقَة -بفتح الحروف كلها-، وعُقُق -بضم العين والقاف-.
وقال صاحب "المحكم": رجل عقق وعقق وعق وعاق: بمعنى واحد، وهو الذي شق عصا الطاعة لوالده، هذا قول أهل اللغة (?).
ولا شك أن حق الوالدين عظيم، فعقوقهما عظيم، ورتبة مختلفة، لكن ضبط المحرم والواجب من الطاعة لهما فيه عسر؛ ولا يجب على الولد طاعتهما في كل ما يأمران به، ولا في كل ما ينهيان عنه، باتفاق العلماء، بل طاعتهما تبع لطاعة الشرع، ولهذا قال - صلى الله عليه وسلم -: "لا طاعةَ لمخلوقٍ في معصيةِ الخالق" (?)، وقال - صلى الله عليه وسلم -: "إنما الطاعةُ في المعروفِ" (?). وقد حرم على الولد السفرَ الذي لا يتعين شرعًا